مساحة إعلانية
بقلم الشاعرة المتميزة : همت مصطفى
هو الساقي الذي روى جذور الشعر الشعبي من ينابيع الصعيد، وجعل لفن الواو ديوانًا وحدودًا ومقامًا بين الفنون...
فاليوم تُشرق الشمس بخجلٍ ناعم، وكأنها تعرف أن هذا الصباح ليس عاديًّا، بل يحمل ميلاد شاعرٍ من طرازٍ فريد، شاعرٍ كتب من نور الجنوب قصائد تحفظ الذاكرة وتطبطب على الروح...
تشرق لتهمس للكون أن عبد الستار سليم، سيد فن الواو، وحارس الكلمة الأصيلة، يُتم اليوم عامه الخامس والثمانين، وما زال الشعر بين يديه غضًّا، نابضًا، عصيًا على الذبول.
يحتفل الوسط الثقافي هذا العام بعيد ميلاد الشاعر الكبير عبد الستار سليم، أحد أبرز رواد فنون الشعر الشعبي، والرجل الذي أعطى للكلمة هيبتها، وللشعر رسالته، وللثقافة دورها في تهذيب الوجدان وصون الهوية.
خمسة وثمانون عامًا قضاها ما بين عشق الكلمة، ووهج القصيدة، وهمّ الوطن، ومسؤولية الموروث الشعبي، ونداء الأصالة. لم يكن يومًا شاعرًا عابرًا، ولا مجرد صوتٍ يُطرب الآذان ثم ينطفئ، بل كان وما زال منارة شعرية ومعرفية تقف عندها الأجيال لتنهل من معينها.
ولد الشاعر الكبير في محافظة قنا، ومنها كانت البداية، وهناك تشكّلت ملامح وجدانه الأولى. وبرغم استقراره منذ سنوات في القاهرة، لم ينسَ يومًا أبناء محافظته، بل ظل وفيًّا لأرضه وأهلها، يحملهم معه أينما ذهب، ويعود إليهم كل عام ليمنحهم ما يستحقون.
له العديد من المبادرات، والجلسات التي احتضنت المواهب الجديدة، وآخرها جائزة عبد الستار سليم للشعر والنقد، التي يرأسها بنفسه، ويمولها من جيبه الخاص، ويمنحها للأجدر لا للأشهر، كما هي عادته.
وفي مشهد إنساني بديع، يقيم الشاعر سنويًا مسابقة للنشر الأدبي لأبناء قنا، دعمًا لمواهبهم، وفتحًا لنوافذهم نحو النور. يفعل ذلك بإمكاناته الخاصة، لا طلبًا لمجدٍ شخصي، ولا انتظارًا لمقابل، بل إيمانًا بدَينٍ في عنقه لهؤلاء الذين شبّ بينهم، وبمحبة خالصة لأرضٍ أنبتته شاعرًا.
ورغم ما يقدمه من دور مؤسسي فاعل ومخلص، إلا أن أجهزة الدولة الثقافية لم تلتفت بما يكفي إلى هذا الجهد الممتد، ولم تُكرّم الرجل بما يوازي عطاءه الطويل ومكانته الرفيعة. وربما آن الأوان لأن يُعاد النظر في ذلك، وتُمنَح القامات ما تستحقه وهي في ذروة العطاء، لا بعد أن يسدل الزمن ستاره.
عيد ميلاده الخامس والثمانون مناسبة لا تمر كسائر الأيام، بل دعوة للاحتفاء، للتأمل، ولردّ الجميل. لأن عبد الستار سليم لا يُحتفى به كفردٍ فقط، بل كظاهرة شعرية، ومُربٍ ثقافي، وصوتٍ من الأصوات النادرة التي آمنت بالكلمة قبل أن تؤمن بها المؤسسات.
كل عام وأنت بخير يا سيد القصيدة، يا صوت الجنوب العميق، ويا قلبًا ظل ينبض بالحياة في زمن عزّ فيه النبض.