مساحة إعلانية
في لحظة فلسطنيه بالغة التعقيد وبينما تتعرض غزة لأبشع اشكال العدوان الإسرائيلي جاء خطاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس خلال افتتاح أعمال الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني بعاصفة من الجدل، ليس فقط بسبب توقيته الحرج، بل لما تضمنه من هجوم لاذع على فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، مستخدمًا عبارات نابية، ومسيئة، وغير لائقة بمنصب رفيع يمثل المشروع الوطني الفلسطيني.
خطاب يفتقد إلى الحكمة ويُعزز الانقسام
في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون واحدة من أعقد المراحل في تاريخ قضيتهم، وبينما تتعرض غزة لأبشع أشكال العدوان الإسرائيلي والتطهير العرقي، جاء خطاب عباس ليصدم الرأي العام الفلسطيني والعربي. فبدلاً من توجيه البوصلة نحو الاحتلال الإسرائيلي ، وجّه الرئيس سهام نقده اللاذع نحو المناضلين الحقيقين ، والمقاومة المشروعة عن الأرض والعرض ، ويتهمهم بتعطيل جهود التسوية، ومطالبًا إياها بتسليم الأسرى الإسرائيليين بعبارة أثارت حفيظة الكثيرين: "سلّموهم وخلّصونا".
ويعد هذا الخطاب تخليًا عن ورقة تفاوضية سيادية، شكّلت انقلابًا على المبادئ الوطنية، ورسالة سلبية إلى الوسطاء الإقليميين والدوليين بأن القيادة الفلسطينية ليست على قلب رجل واحد، بل تمضي في طريقٍ يزيد من حدة الانقسام الداخلي، ويضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني في واحدة من أعقد معارك تحرير الأسرى.
الانزلاق في الخطاب.. إساءة للشعب والقضية
لم يتوقف الجدل الفلسطيني وخاصة من مجموعة من حركة فتح ممن رفضوا حضور الدعوة للمؤتمر ، والشعب المصري أيضاً صدم من مضمون الخطاب ليس ذلك فحسب، بل امتد إلى مستوى اللغة المستخدمة، حيث وصف الرئيس خصومه السياسيين بألفاظ جارحة ، اعتبره انحدارًا خطيرًا في لغة الخطاب السياسي الفلسطيني، وإساءة مباشرة ليس فقط للمقاومة، بل للشعب الفلسطيني الذي يرى في المقاومة تعبيرًا عن صموده وصوته في وجه الاحتلال. إن استخدام مثل هذه العبارات في محفل وطني، من قبل رأس السلطة الفلسطينية، لا يليق بالمجلس الوطني ولا يعكس تطلعات الشعب الذي ينتظر خطابًا يوحّد لا يفرّق، ويُجمّع لا يُشتّت.
الضحية تُدان والجاني يُفلت
الأدهى من ذلك، أن الخطاب حمل إدانة ضمنية للمقاومة على استمرار العدوان، متجاهلًا أن إسرائيل ترفض أصلًا الدخول في صفقة تبادل عادلة، وتُمعن في قتل المدنيين، مستندة إلى خطاب ترامب الذي يشرعن تطهير غزة عرقيًا. فكيف تُلام المقاومة على تمسكها بشروط تحفظ الحد الأدنى منع الكرامة الوطنية وترفض التبادل لأسري إسرائيل تريد دون مقابل ولماذا يُطالَب الضحية بتقديم التنازلات بينما يُفلت الجاني من أي مسؤولية؟
واذا كانت حماس مسئوله عن قطاع غزة ماسبب حالات الإعتداءات الفجه في الضفه الغربيه وحبس 17الف من مواطنيها لدي سجون الاحتلال الإسرائيلي وقتل مايزيد عن الف شخص في العام الاخير.
إن تحميل المقاومة مسؤولية التعثر السياسي يُعد تزييفًا للواقع، وتبريرًا ضمنيًا لسياسات الاحتلال. وإن كان الرئيس عباس جادًا في إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، فأين هي هذه الدولة؟ ما حدودها؟ وما شكل السيادة فيها؟ وهل يمكن نزع سلاح المقاومة في ظل غياب كيان موحد ومستقل؟ بالطبع لا. فالسلاح لا يُسلَّم إلا لدولة تحكم وتحمي وتدافع عن أبناء شعبها.
متي يتم الإصلاح ويتوحد السياسيون مع المقاومة
خطاب عباس لم يكن مجرد تعبير عن موقف، بل كان إعلانًا واضحًا عن أزمة عميقة في الرؤية والقيادة. قيادة ما زالت تتشبث بنهج الإقصاء وتؤمن بخطاب الوصاية السياسية، متجاهلة أن الشعب الفلسطيني، اليوم أكثر من أي وقت مضى، يُطالب بقيادة موحدة تنبثق من إرادته الحرة، وتُمثّل تطلعاته الوطنية، لا أن تُعاقبه على صموده.
وفي ظل هذا الخطاب، بدأت تتعالى الأصوات داخل منظمة التحرير وخارجها مطالبة بإصلاحات بنيوية عميقة، تبدأ بإعادة النظر في بنية القيادة وآليات اتخاذ القرار، وتنتهي بحوار وطني شامل يعيد تصويب البوصلة نحو العدو الحقيقي، ويُخرج القضية من دائرة المساومات الفردية إلى ميدان التوافق الشعبي.
نحو وحدة حقيقية.. لا وحدة شعارات
لقد أثبتت التجارب أن الانقسام لا يخدم سوى الاحتلال، وأن استمرار تغييب الحوار الوطني يُنتج مزيدًا من التصدع والانهيار. فلا وحدة دون شراكة سياسية حقيقية، ولا مقاومة فاعلة دون توافق وطني جامع على أشكال النضال. ومهما حاول البعض تغييب هذه الحقيقة، فإن التاريخ لن يرحم من يضيّع فرصة بناء مشروع وطني حقيقي، يُعيد للفلسطينيين كلمتهم الواحدة، وقرارهم المستقل قبل فوات الاوان.