مساحة إعلانية
فنانة تعزف على أوتار الروح أنشودة الجمال والحب أيقونة الكنانة الخالدة صوت يشبة النيل وابتسامة الشمس وعذوبة الضوء الأزرق فى بحر إسكندرية بنت مصر
لم تكن ليلى مراد امرأةً عادية، ولا كانت فنانةً تمرّ في تاريخ الفن ثم تغيب. كانت صوتًا مصنوعًا من الندى، وروحًا تمشي بين الناس بخفةِ الموسيقى التي طالما حملتها على أجنحتها. وفي تلك الليلة البعيدة، حين سمعَت أذان الفجر ينساب فوق المدينة، أدركت أن شيئًا عميقًا في روحها يستيقظ… شيئًا لم يكن الفن قادرًا على ملئه، ولا الشهرة قادرة على إسكات نداءه.
أيقظت أنور وجدي كأنها توقظ جزءًا من القدر.
«سامع يا أنور صوت الأذان؟»
لم يكن سؤالًا. كان اعترافًا أول لما سيأتي.
وحين سألته لماذا لم يطلب منها أن تكون مسلمة، كان أنور — بخفّة قلبه وصراحته — يردّ عليها بأنه أحبّها كما هي، وأن الحرية بين الإنسان وربه لا يلمسها أحد.
لكن قلب ليلى كان قد سبق الكلام كله.
كان الأذان يطرق بابًا داخليًا ظلّ مغلقًا لسنوات، حتى إذا فتحته تلك الليلة، وجدته مليئًا بالسكينة.
«أنور… أنا عاوزة أبقى مسلمة.»
قالتها بوضوح امرأةٍ تعبت من الوقوف على مشارف الحقيقة، وقررت أخيرًا أن تخطو.
نطقت الشهادتين، توضّأت، وصلت—صلّت كمن يتعلّم لغة جديدة لكنها في الحقيقة لغته الأصلية التي ضاعت منه طويلًا. وعندما أشرقت الشمس، دعت شيخًا من شيوخ الأزهر لتعيد أمامه النطق بالشهادتين، لا لتوثّق القرار، بل لتؤكّد لنفسها أنها وصلت.
لم تُشهر إسلامها فورًا. كان في قلبها احترام لذكرى والدها، وفي حياتها ضجيج الفن ودوائر الضوء. لكنها كانت تمشي بين الناس وهي تحمل في داخلها إسلامًا هادئًا، لا يعرفه إلا القريبون منها. وحين وقفت أمام قاضي المحكمة الشرعية في الأزهر في ديسمبر 1947، كانت امرأةً تعرف تمامًا إلى أين تذهب، ولماذا اختارت هذا الطريق.
كانت تحب السيدة نفيسة والسيدة زينب، وكانت تتعلّم القرآن من سماعها لصوت الشيخ محمد رفعت، قبل أن تعرف معاني الآيات، كانت تجذبها موسيقاه الخالدة. ثم أحبّت الشيخ الشعراوي في سنواتها الأخيرة، وظلت قريبة من الله بالطريقة الصافية التي يحبها الله: بلا ادعاء ولا أضواء، امرأة تؤمن في صمت.
وفي مساء 21 نوفمبر 1995، انطفأت ليلى مراد كما تنطفئ شمعةٌ اكتفت من الدنيا بنورها الخاص. صُلّي عليها في مسجد السيدة نفيسة، المسجد الذي عرف دموعها.