مساحة إعلانية
في عصر التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن يعبر الإنسان عن نفسه بكلمات براقة وصور مثالية. ولكن مع كل هذا البريق، تظهر ظاهرة سلبية تتزايد يومًا بعد يوم: أن يقول الناس ما لا يفعلون.
تجولت يومًا بين المنشورات على مواقع التواصل، فوجدت أن الكثير من الأشخاص ينادون بالقيم والمبادئ، يتحدثون عن الحب والتسامح، وعن مساعدة الآخرين ونكران الذات، بينما واقع حياتهم لا يعكس شيئًا من ذلك. تجدهم ينتقدون سلوكيات معينة ويمارسونها في الخفاء، أو يدعون المثالية في الوقت الذي تنكشف فيه عيوبهم عند أول اختبار حقيقي.
هذه الازدواجية باتت تسبب استياءً عميقًا لمن يبحث عن الصدق في التعامل. فكيف يمكن لإنسان أن يطالب الآخرين بالعدل وهو يمارس الظلم؟ أو ينادي بالإخلاص وهو أول من يخون؟ المشكلة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تتسلل إلى المجتمعات، فتؤثر على العلاقات وتخلق جوًا من الرياء والتزييف.
قد يكون السبب وراء هذه الظاهرة هو السعي لنيل القبول الاجتماعي، أو الخوف من الانتقاد، أو حتى محاولة إخفاء نقاط الضعف. لكن مهما كانت الأسباب، فإن هذه التصرفات لا تبني الثقة بين الناس، بل تهدمها.
الحل يبدأ من داخلنا. علينا أن نسعى لأن تكون أفعالنا مطابقة لما نقوله، وأن نتحلى بالصدق مع أنفسنا ومع الآخرين. مواقع التواصل الاجتماعي ليست ساحة للتظاهر، بل هي وسيلة للتواصل الحقيقي والمشاركة الصادقة.
إذا أراد كل شخص أن يحاسب نفسه قبل أن ينتقد الآخرين، وأن يعيش قيمه بدلًا من مجرد التحدث عنها، ستصبح هذه المنصات أداة بناء لا هدم. فلنتذكر دائمًا أن الصدق في القول والعمل هو أساس الثقة، وأن الأفعال دائمًا أقوى من الكلمات.
في النهاية، الكمال ليس شرطًا، ولكن التوافق بين القول والفعل هو ما يجعلنا نعيش بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين. فلنتجنب أن نكون ممن يقولون ما لا يفعلون، ولنكن صادقين حتى لو كان الطريق صعبًا.