مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

دكتور يحيى هاشم يكتب:علم الاجتماع والتنمية البشرية .. رؤية تحليلية لبناء الإنسان

2025-04-08 07:56:31 - 
دكتور يحيى هاشم يكتب:علم الاجتماع والتنمية البشرية .. رؤية تحليلية لبناء الإنسان
دكتور يحيي هاشم
منبر

لا يمكن الحديث عن التنمية البشرية التي تهدف إلى تمكين الإنسان و تحسين نوعية حياته دون التطرق إلى الإطار النظري الذي يفسر مساراتها و تحدياتها و في هذا السياق يقدم علم الاجتماع مجموعة من النظريات التي تسهم في فهم أبعاد التنمية البشرية و ديناميكياتها داخل المجتمع و تفسر كيف تتفاعل العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لبناء الإنسان و تطوير قدراته.
تُعد النظرية الوظيفية من أقدم و أبرز النظريات في علم الاجتماع  حيث يرى روادها أمثال إميل دوركايم و تالكوت بارسونز أن المجتمع عبارة عن منظومة مترابطة تتكامل فيها الأدوار و المؤسسات لضمان الاستقرار  و تفسر هذه النظرية التنمية البشرية باعتبارها نتيجة لتكامل مؤسسات التعليم و الصحة و الأسرة و الدين و غيرها في تهيئة الإنسان ليكون عنصرًا فاعلًا في مجتمعه فكلما كانت هذه المؤسسات فعّالة زادت قدرة الفرد على الإنتاج و المساهمة الايجابية في المجتمع.
و على النقيض تطرح نظرية الصراع  التي أسسها كارل ماركس و طوّرها رايت ميلز  رؤية نقدية تعتبر أن التنمية البشرية لا يمكن أن تتحقق في ظل تفاوتات طبقية صارخة واستغلال اقتصادي و ترى هذه النظرية أن العقبات الحقيقية أمام تنمية الإنسان تكمن في سيطرة النخب على الموارد و غياب العدالة في توزيع الفرص  مما يخلق مجتمعًا منقسمًا تنمو فيه طبقة على حساب أخرى.
كما تُركّز النظرية التفاعلية الرمزية على مستوى التفاعل الفردي اليومي  معتبرة أن التنمية البشرية تنطلق من إدراك الفرد لذاته و لمكانته الاجتماعية  فعندما يرى الإنسان نفسه كقيمة فاعلة يتبنى سلوكًا منتجًا يسهم في تنميته و تنمية مجتمعه و يُعد هذا البُعد جوهريًا في فهم قضايا مثل الطموح و الهوية و الثقة بالنفس.
و تربط نظرية الحداثة  التي طوّرها والت روستو التنمية البشرية بالتحول من النظم التقليدية إلى المجتمعات الحديثة و تؤكد هذه النظرية أن التنمية تتحقق من خلال التعليم، التكنولوجيا، و نمو المؤسسات و ترى أن الإنسان يصبح محورًا للتنمية حينما يُتاح له التعليم العصري و المشاركة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية بشكل فعّال.
أما نظرية التبعية فتقدم منظورًا نقديًا للتنمية من منظور دولي مشيرة إلى أن التنمية البشرية في دول الجنوب غالبًا ما تُعيق بسبب ارتباطها التابع بالدول المتقدمة و يذهب منظرون مثل أندريه غوندر فرانك إلى أن الدول الفقيرة تُستنزف مواردها لصالح دول المركز مما يجعل التنمية الحقيقية بعيدة المنال ما لم يُعاد تشكيل العلاقات الدولية و الاقتصادية بشكل أكثر عدالة.
و تُركز نظرية رأس المال البشري التي طورها غاري بيكر و تيودور شولتز  على أن الإنسان هو المحور الحقيقي لأي عملية تنموية فكل استثمار في التعليم، الصحة، و التدريب يعود بالنفع على الفرد و المجتمع و  هذه النظرية تمثل اليوم الأساس الذي تعتمد عليه السياسات العالمية للتنمية المستدامة و تتوافق مع رؤية الأمم المتحدة للتنمية التي تضع الإنسان في قلب العملية التنموية.
إن نظريات علم الاجتماع لا تكتفي بتفسير التنمية البشرية بل تقدم أدوات لفهم التحديات و صياغة السياسات  و في مصر حيث تسعى الدولة لتحقيق نهضة تنموية شاملة فإن توظيف هذه النظريات يُعد ضرورة ملحة من أجل فهم السياقات الاجتماعية و الثقافية التي تؤثر في مسار التنمية و وضع الإنسان في قلب عملية البناء الحقيقي.
لان الرهان على الإنسان لم يعد خيارًا بل هو السبيل الوحيد لمستقبل أكثر عدالة و استدامة.
و تسعى الدولة إلى تعزيز التنمية البشرية من خلال استراتيجيات واضحة مثل رؤية مصر 2030 التي تضع الإنسان في قلب عملية التنمية الشاملة و يتضح ذلك من خلال المشروعات القومية في مجالات التعليم، الصحة، الإسكان، و الحماية الاجتماعية إلا أن تطبيق هذه السياسات يواجه تحديات حقيقية تتطلب فهماً عميقاً من منظور علم الاجتماع.
و من منظور النظرية الوظيفية  تسير مصر في اتجاه تقوية المؤسسات الاجتماعية لتأدية أدوارها بشكل تكاملي بينما تكشف نظرية الصراع عن الحاجة إلى تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وضمان عدالة توزيع الموارد والخدمات أما على مستوى التفاعلات الفردية فتُظهر الممارسات اليومية أن تعزيز الوعي الذاتي و الثقة بالنفس لدى المواطن ما زال بحاجة إلى دعم إعلامي وتربوي مكثف.
و في ظل عالم متغير تؤكد نظرية الحداثة على أهمية تسريع وتيرة التحول التكنولوجي و المعرفي و هو ما تسعى إليه مصر من خلال دعم التحول الرقمي و مشروعات التعليم الحديث. 
لكن من جانب آخر تنبهنا نظرية التبعية إلى ضرورة تعزيز الاستقلال الاقتصادي و التقني عن القوى الخارجية حتى لا تُعيق التنمية المحلية.
وأخيرًا فإن نظرية رأس المال البشري تجد صدى كبيرًا في السياسات المصرية التي تسعى لرفع كفاءة الفرد المصري من خلال برامج التدريب و التعليم الفني و المهني مما يؤكد أن بناء الإنسان هو بالفعل الاستثمار الأذكى و الافضل لضمان النجاح في الحاضر و المستقبل و سلاما عليكي يا بلادي في كل وقت و في كل حين .

مساحة إعلانية