مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

د.أيمن الداكر يكتب: هوامش على دفتر المحروسة "الذوق"

2023-10-23 23:27:06 -  تحديث:  2023-10-24 14:52:00 - 
د.أيمن الداكر يكتب: هوامش على دفتر المحروسة "الذوق"
د.ايمن الداكر
منبر

الذَوْق هو الرجل الذي يُحسن التصرف في المواقف المختلفة، والذي يُظهر الاحترام للرجال والنساء، ويمكن مقابلته في اللغة الإنجليزية بالجنتلمان، ويقال رجل لديه (ذَوْق) أي لديه حس راقي بالجمال والفنون بمختلف أنواعها، وقليل الذَوْق هو متبلد الحس خشن المعاملة. ولغويا معنى كلمة (الذَوْق) في معجم المعاني هو: آداب السلوك التي تقتضي معرفة ما هو لائق أو مناسب في موقف اجتماعي معين. والذوق العام هو: مجموعة تجارب الإنسان التي يُفَسّر على ضوئها ما يحسه أو يدركه المجتمع من الأشياء. وكلمة (اتيكيت) الفرنسية المشتقة من كلمة (تيكيت) أي بطاقة الدخول إلى المجتمع الراقي، جاءت في الموسوعة البريطانية بمعنى: السلوك الذي يساعد الناس على الانسجام والتلاؤم مع بعضهم البعض ومع البيئة التي يعيشون فيها. وفي الموسوعة الأمريكية بمعنى التهذيب واللياقة وتحسين الفرد علاقته بالآخرين. وفي التعبير العربي المختصر بمعنى (الذَوْق). لذلك وصف الفنان محمد قنديل محبوبته بالذَوْق قائلًا: (والحلو دايما حلو وذوق، يا حلو صبح يا حلو طل). ومصر هي أرض الجمال والذَوْق، وأرض ذلك الرجل الذي سكن شارع المعز لدين الله الفاطمي في عهد الدولة المملوكية، هو أحد تجار حي الحسين ومن فتواتهم، لكنه كان فتوة (ذَوْق) يتمتع بحسن الخلق ورجاحة العقل فأطلق عليه أهل المحروسة لقب (الذَوْق)، واتخذوه حكمًا وقاضيًا عرفيًا بينهم، يفصل مشاحنات الناس ويعدل بينهم، وساعده على ذلك قوته وكونه (ذَوْق) مع الجميع فأحبوه واحترموه. وذات يوم نشَب شجار كبير بين الناس وعجز (الذَوْق) للمرة الأولى عن فض المعركة والصلح بين المتخاصمين، مما أدّى إلى تدخل الحاكم العسكري لفض الشجار وقرر وضع الفتوات في السجون، شعر حسن الذَوْق بالحرج وأن مكانته قد اهتزت بين الناس، فقرر هجرة الحي والخروج من مصر، توجه حزينًا نحو باب الفتوح، لكنه سقط مغشيًا عليه قبل أن يتجاوزه ومات، حزن عليه أهل المحروسة حزنًا شديدًا ودفنوه في موضع سقوطه على الجانب الأيمن من بوابة الفتوح من الداخل، ثم شيدوا له ضريحًا له قبة صغيرة خضراء، يعلوها هلال ذهبي وسطًروا بالأسود على بابه الخشبي (ضريح العارف بالله سيدي الذَوْق). وفي قول بعضهم إن حسن الذَوق كان مغربي الأصل. وفي رواية أخرى أن حسن الذَوْق رجل من المغرب جاء إلى مصر وسكن حي الحسين، أحب أهلها وأحبوه وعندما أصابه المرض رغب أولاده في حمله إلى المغرب ليموت هناك، لكنه رفض فأجبروه على ذلك، وقبل مغادرتهم لباب الفتوح سقط مغشيًا عليه ومات، فعامله الناس معاملة أولياء الله الصالحين وشيدوا له ذلك الضريح. وفي قول آخر إنه كان رجلًا مبروكًا في زمن المماليك وقد ضاق ذرعًا بأحوال البلاد والعباد فقرر الرحيل منها لكنه مات قبل مغادرة باب الفتوح. مات الرجل وبقيت سيرته عهدًا بين الناس، يلجؤون إليها عند نشوب شجار فيقولون: (عيب: ده الذوق مخرجش من مصر). الذَوْق لم يخرج من مصر، لكنه مات حزينًا على أبوابها.
(الأسبوع القادم نلتقي مع هامش جديد من هوامش دفتر المحروسة)

مساحة إعلانية