مساحة إعلانية
ليالي الأنس في كيميت
قدّس المصريون القدماء الحياة الزوجية، ووضعوا لها القوانين والأعراف التي تحفظ استقرارها، فالأسرة المستقرة عندهم هي أسرة سعيدة، وشجّع المصري القديم على الزواج المبكر من أجل إنجاب الأبناء مبكّرًا، فمساحة الأرض الخصبة تكفي الجميع وتفيض، وحتى يستطيع تربية أبناء صالحين وهو ما زال في عنفوانه وقوته. يقول الحكيم (بتاح-حتب 2450 ق.م) "إذا أصبحت كفئًا أسس بيتك، وأحبّ زوجتك في حدود العرف"، ويقول حكيم آخر ناصحًا ابنه (خنسو) "اتخذ لك زوجة تلد لك أبناء، فإنها إذا أنجبته لك وأنت في خور الشباب استطعت أن تهذبه، وتجعله إنسان، وطوبى للمرء الكثير الأصل حين يرتجي من أجل أبنائه". وكان أساس إختيار الزوجة هو صلاحها ومقدرتها على إنجاب الأطفال، فالمرأة الجذابة عند المصري القديم هي الأكثر خصوبة، ويقول الحكيم (عنخ-شاشنق) في القرن الخامس قبل الميلاد "احذر أن تتخذ فتاة سوقية الطبع زوجة، حتى لا تورّث أبناءك تربية فاسدة". وحفاظًا على ذلك الرباط المقدّس، كانت عقوبة العلاقة الغير شرعية للمتزوجين قاسية ورادعة، وقد تدفع المرأة حياتها ثمنًا لذلك، وذَكرتْ بعض النصوص بإلقائها للتماسيح، وإذا اغتصب رجل امرأة متزوجة يُحكم عليه بالإخصاء، وإذا كان ذلك بموافقتها ورضاها يُجْلّد ألف جلدة، ويُجدع أنف المرأة.
ولا يُنكر أحد أن الإمتاع والمؤانسة بين الزوجين هو أساس استقرارها وسعادتها، وقد اهتمّ المصريون القدماء بتلك العلاقة اهتمامهم بالطعام والشراب، واحتفوا بها احتفائهم بالحياة، وراحت المرأة تعتني بجمالها ورشاقتها ونظافتها الشخصية، ولم تكن لديهم عادة ختان الإناث، وكان ختان الذكور من أجل الطهارة والاستعداد لتلك العلاقة الحميمة، وهناك نحت على جدار مقبرة الطبيب (عنخ ماحور) في سقارة يصور عملية الختان لصبي، واستعانوا بالأدوية التي تعزّز الخصوبة مثل نبات اللوتس والخس والبيروح (من عائلة الباذنجانيات) ونبات الخشخاش، واستخدموا نبات اللوتس الأزرق والقنب (الحشيش) لزيادة القدرة الجنسية للرجال، ونجد في مجموعة غرف الإله (بس) في سقارة، صور له مع مجموعة نساء عاريات يرقصن ويغنين، وعلى أفخاذهن وشم الإله (بس)، وهي غُرف مخصّصة لمن يعانون مشاكل جنسية، ووسائل تعليمية لفنون الإمتاع، ووشم الإله (بس) لحمايتهن من الأمراض المنقولة جنسيًا. وكانت هناك وسائل للترفيه لزيادة تلك المتعة وتهيئة الأجواء والظروف المناسبة لها، مثل الآلات الموسيقية وأدوات الزينة، وكما في بردية (تورين الشهوانية) نجد عجلة للارتفاق عليها، وسرير به وسادة خاصة لتسهيل المُضاجعة، والرموز الجنسية مثل الأطباق الزرقاء من الفسيفيساء مصور عليها عازفة موسيقى عارية إلا من حزام حول وسطها، ووشم الإله بس على فخذها، وحولها زهرة اللوتس التي ترمز إلى الرغبة والتجدّد والبعث، والنسناس الذي يرمز إلى الفحولة والقوة الجنسية. وكانت تلك الممارسة محرمة داخل المعابد، فهي تتعارض مع طهارة البدن، ولا يسمح لمن جامع زوجته دخول المعبد للصلاة قبل أن يُطهّر بدنه، ولم يتم تصويرها كثيرًا على جدران المعابد، وما جاء منها كان اشارات وتلميحات غير صريحة، وبعضها على قطع الاوستراكا والبرديات. ومن أشهر البرديات التي صوّرت تلك الممارسات الحميمة بردية (تورين) الشهيرة باسم (البردية الشهوانية)، ويرجع تاريخها إلى 1150 ق.م في عهد الرعامسة، وتم اكتشافها في أوائل القرن التاسع عشر، في مساكن العمال في دير المدينة بالأقصر في بيت (رسول شمس آمون)، وتوجد حاليا في المتحف المصري في تورين بايطاليا، يبلغ طولها 2.6 متر وعرضها 25 سم، تحتوي في ثلثها الأول رسومات كاريكاتيرية لحيوانات تقوم بأعمال البشر بطريقة ساخرة، وفي ثلثيها الأخيرين مشاهد جنسية صريحة لرجال صلع ولهم بطون كبيرة ومترهلة (كرش)، وأعضاء تناسلية ضخمة بصورة مبالغ فيها، في صحبة نساء جميلات رشيقات ومثيرات، اثنين وعشرون مشهد في أوضاع مختلفة ومثيرة وكأنها أول مجلة رجالية (بلاي بوي) في التاريخ، ويرجح البعض أنها مشاهد لرجل واحد في أوضاع مختلفة، وتتزين حواشيها بأزهار اللوتس وأوراق اللبلاب، وصور للقردة والربة حتحور مما لديها من دلالات جنسية معروفة لدي القدماء المصريين. وأدوات أخرى لتهيئة الأجواء والظروف المناسبة لتلك الممارسة الممتعة كما ذكرناها سابقًا، وقد تميّزت اللوحة في عمومها بالحس الفني الراقي، مما يرجّح أنها تعود لأحد أبناء الطبقة الراقية. وأرجع بعض الباحثين في التاريخ المصري القديم هذا التحرر لضعف سطوة الكهنة في عهد اخناتون، وظهور فنانون تحرروا من القيم الكلاسيكية للفن المصري القديم، فما عادوا يرسمون لأغراض دينية أو سياسية فقط.
نلتقي الأسبوع القادم مع هامش جديد من هوامش المحروسة.