مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر والباحث / عـبد الستار سليم يكتب:الشاعر طرفة بن العبد نديم ملك الحيرة

2024-10-19 04:25:49 - 
الشاعر والباحث / عـبد الستار سليم يكتب:الشاعر طرفة بن العبد نديم ملك الحيرة
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

الشاعر العربى الجاهلى  "طرفة" ، هو عمرو بن العبد بن سفيان ،  وُلد فى منطقة المحرق ( البحرين حاليا) ،  من أبوين شريفين  فى قبيلة بكر 
وأصبح من  شعراء الطبقة الأولى ، فهو صاحب إحدى  المعلقات العشر - و المعلّقات قصائد اختيرت كأجود ما قيل من الشعر  فى عصرالجاهلية -و لقب"طرفة " لقب غلب على اسمه ، (و"الطرفة " - فى الأصل - واحدة الطرفاء، وهو الأثل) قال قصيدته (المعلّقة) وهو صغير السن ، و مطلعها :

لِخوْلَةَ   أطلالٌ   بِـبُـرقَةِ        ثَهْـمَدِ 
تلوحُ كباقى الوشم  فى ظاهرِ الـيَـدِ  
 (و مما يذكر أنّ  شاعر الحلمنتيشى الساخر "حسين شفيق المصرى"  نسج على غرارها - على نفس البحر الشعرى ، ونفس القافية - إحدى مُشَعلقاته، والمشعْلقات هو الاسم الساخر للمعلّقات، فقال:

( لِـزَيْنَــبَ دكّانٌ  بِحارةِ   مُنْجِدِ
تلوحُ بها أقفاص عَـيْشٍ  مُقَدّدِ ) 

ذلك الثائر" طرَفة " ، الذى امتلك البيان الساحر فى سن صغيرة ، والذى تفيض الحكمة على لسانه ، يُحكى أنه عندما كان طفلا، سمع الشاعر الكبير " المسيّب بن علَـس "  قال بيتا يسِمُ فيه بَعيره بسِمةٍ  كانت خاصة بإناث الإبل - أى النُّـوق - صرخ "طرفة" ، وقال : " استنوق الجمل" - أي صار الجملُ ناقةً - فغضب المسيّب  ، و سأل : من الطفل ؟ ، فقالوا "طرفة بن العبد " فقال " ليقتلنّه لسانه"  وقد حدث ، فإن طرفة مات - أو قُتل- وكان عمره يتراوح ما بين (٢٥ و ٢٦ ) سنة وهى المفارقة التى  تكشف عن أن الحكمة لا تعنى  عدد السنوات والعُمر ، بقدر  ما تعنى الخبرة  والمرارة  والأوجاع التى يعيشها الإنسان  … !
فقد نشأ "طرفة " يتيما ، و قد انعكست عليه - سلبا - وفاة  والده المبكرة ، وبدأت  معاناته مع الأقارب الذين لم يرِث عنهم  سوى شاعريتهم ، فأهله كسبوا ماله ، وهو كسب  الخلود فى التاريخ ..  ولأن الإنسان لا يتوقع من أقاربه إلا كل الخير والإحسان ، فإذا حدث غير ذلك ، وفوجئ بظلمهم له ، كانت الصدمة شديدة الإيلام ، وهذا ما قاله - بالضبط - "طرفة" فى بيته الشعرىّ الخالد :
وظلمُ ذَوِى القُربَى أشدُّ
مَضاضةً
على المرء من وقْع الحُسام المهنّدِ 

 مولده كان  فى مطلع العقد الخامس  من القرن السادس  الميلادى ، ومات  قبل مولد النبى ( صلى الله عليه وسلم )  بخمس سنوات  تقريبا ، وبالمناسبة ، كان النبىّ ( صلى الله عليه وسلم ) يذكر - أحيانا - بعضا من شعر "طرفة" ، لكن بعد أن يخرجه من سياق الوزن الشعرى - بالتقديم والتأخير - وكان سيدنا أبو بكر (رضى الله عنه) يعيد أصل البيت ، اعتقادا منه أن النبى لا يحفظ النص الأصلى ، فيعيد النبى( صلى الله عليه وسلم ) نفس ما قاله ، يفعل ذلك - تحسّبا - حتى لا ينطق شعرا ..!
كانت معلّقة " طرفة " من أكثر المعلّقات  فلسفة فى شئون الحياة  وحكمتها ، وكان 
" طرفة " دائم الترحال وراء الكلأ والماء ، أكسبه  التنقل  والحياة الطليقة  خبرة بأحوال الناس والوجود ، فكان أعمق وعيا ، ومعلقته متعددة الأغراض والأفكار ، و ليست إلا تصويرا لهذه العذابات، لإنسان شريد، استبدل بالجدّيّة التهكم  من كل شئ ، بفلسفة عميقة ، كذلك بها تجليات موضوعية ذات أبعاد اجتماعية ونفسية  تجاه قضايا الوجود ،  وقد ذكر فيها الموت  والدار الآخرة ، ويُروَى أنه قد هجا "عمرو بن هند " فقتله ، ولذا لقّبوه  بـ " الغلام القتيل " ، وكان له من نسبه العالى ما يحقق له هذه الشاعرية ، فجدُّه ، وأبوه ، وعمّاه المرقّشان ، وخاله المتلمس ، كلهم شعراء ، فهو أشعر الشعراء - بعد امرئ القيس - ....! 

بدأ " طرفة " معلّقته  بذكر الحبيبة " خولة" ، من خلال الوقوف على أطلالها (والأطلال  عند البدوى  هى آثار وبقايا ، تكاد تنمحى لطول الزمن  وتأثير الرياح ، وتغطية الرمال لها، وهى عندئذ  ولعدم وضوحها  تشبه الوشم القديم الذى بقى منه شئ غير واضح ، يظهر على سطح الكف) و حين وقف على الأطلال ظهرت عليه علامات الأسى والحزن ، حتى كاد يهلك وينتهى، فهو القائل 

( وقوفًا بها صحبى علىّ مطيّهم 
 يقولون لا تهلك أسًى وتجلّدِ) 
 وديوانه - ضمّ المعلّقة- اعتُبر مواجهة للحياة بجسارة ، و بسببه عُدّ  "طرفة" من أجود الشعراء الجاهليين المبرّزين ، فشعره يمزج بين الرونق والجزالة ، وعذوبة المشرب ، فقد كان كلما  طالت قصيدته حسُنت ، فهو شاعر مطبوع .. ولأنه ذو حسب فى عشيرته - هذا الأمر ساعده فى شعره - ونلاحظ أن لغته  كانت ناصعة بسيطة ، ليس فيها تجويف  ولا فظاظة  ولا تقعّر ، مما يدل على كمال الحكمة  والرغبة   فى إيصال المعنى بأبسط الطرق ، وهى قمة الفلسفة ..!

مساحة إعلانية