مساحة إعلانية
قارئ قرآن مصرى ، وسُمّى بسيّد القرّاء ، فقد كان صاحب مدرسة عريقة فى التلاوة والإنشاد ، تتلمذ فيها كل من جاءوا بعده من القرّاء
فى سنة 1880 م ، وُلد الشيخ على محمود فى حارة درب الحجازى، بقسم الجمالية - حى الحسين ، القاهرة ، لأسرة على قدر من اليسر والثراء ، وقد أصيب وهو طفل فى حادث - كما جاء فى سيرة هذا الرجل العظيم - وكُفّ بصره فى صغره ، فوجّهه أهله لحفظ القرآن الكريم ، ودرس مبادئ الفقه ، وجوّد القرآن فى الجامع الأزهر، فدرس الموسيقى ودروب التلحين والموشحات على الشيخ إبراهيم المغربى ، أحد علماء الأزهر، وقد كانت أستاذية " الشيخ المغربى" أكاديمية -بمعناها الدقيق- إذ كانت تخضع علوم الموسيقى و التلحين لأصولها العلمية والفنية ، وهو ما ساعد على ارتقاء معرفة الشيخ على محمود وذوقه بعد أن تعرف على علم النغمات ومعرفة المقامات وأصول الفن .. كما تتلمذ على الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب ، والشيخ عثمان الموصلى - التركى الذى أطلعه على الموسيقى التركية وخصائصها - وغيرهما من أساطين ذلك العصر .. وحفظ أغانى عدد من أشهر المغنين من طبقة الفنان عبده الحامولى واللاحقين به
بلغ من عبقرية الشيخ على محمود أنه كان يؤذن للجمعة فى "الحسين" كل أسبوع أذانا على مقام موسيقى لا يكرره إلا بعد سنة ..! ومن الطريف أنه - فى ميلاده - سبق عميد المقرئين الشيخ محمد رفعت بسنتين ، وفى الوفاة بأربع سنوات ، لكنه سبقه فى الشهرة والمكانة المجتمعية بعقدين من الزمان ، حتى أنه هو الذى تنبأ للشيخ محمد رفعت بمجده حين سمعه فى بداياته ، كما صار منشد مصر الأول الذى لا يُعلى عليه ، فى تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات الموسيقية ، كان يلقب بإمام المنشدين ، وكان بالفعل شيخ المنشدين فى عصره فى مصر والشرق ، منذ شبابه ، إلى مرتبة القمة فى قراءة القرآن الكريم و تجويده وتنغيمه ، وفى رفع الأذان بطريقة مبهرة فى روحانيتها وفنيتها ، كما اشتهر بقراءة المولد النبوى الشريف ، والتواشيح الدينية ،
وقد امتاز الشيخ بأخلاق رفيعة ، وأجمعت أدبيات عصره على أنه كان إنسانا نبيلا رائعا متساميا، كريم الأخلاق محسنا للفقراء .. ووصف الأستاذ محمد فهمى عبد اللطيف أداءه بعبارات بليغة ، فقال " كان يجمع فى أوتار صوته كل آلات الطرب ، وقد حباه الله لِـينا فى صوته ، وامتدادا فى النفس ، وبهذا كان يمسك بزمام النغم على هواه "، إلى جانب ذلك كان الشيخ صاحب ذوق فنى مرهف ، فلقد استحدث كثيرا من النغمات والأصوات الرائعة ، فأصبح - بعد قليل - إمام طريقة فى القراءة لا ينافسه فيها منافس ، فقد كان فى فنه يجمع محاسن جميع المحسنين من معاصريه ، كان إذا رفع بالقراءة صوته ، كان رائع الجهارة والتفخيم ، وإذا رقّقه كاد يذوب من فرط النعومة واللين ، اشتغل بتلاوة القرآن الكريم ، على ملأ من الناس فى مسجد سيدنا الحسين حتى اشتهر ، فكان قارئه الأشهر ، وعلا شأنه وصار حديث العامة والخاصة حيث كانت التلاوة مدرسة للإبداع فى أداء القواعد الفنية على أعلى مستوى من الدقة ..
كان من بطانته الشيوخ العظام (طه الفشنى ، كامل يوسف البهتيمى ، محمد الفيومى ، زكريا أحمد - الذى تنبأ له الشيخ بمستقبل باهر فى عالم الموسيقى - والموسيقار محمد عبد الوهاب ، وسيدة الغناء العربى أم كلثوم ، والمطربة أسمهان )
ومن الطريف أن الأذان وما يتبعه من التسابيح والاستغاثات التى تُتلى قبيل الفجر فى الحرم الحسينى ، كانت على نهج خاص ، بمعنى أنها كانت كل يوم على نغمة مقام موسيقى مختلف ، وأن أحدا لم يصل إلى مستواه الرفيع فى هذا الفن ، و على ما يرى المنصفون أنه كان فى المقام الأول قارئا للقرآن ، والحق أنه لولا أن الشيخ محمد رفعت والأفذاذ الآخرين من جيله، لاستأثر هو وحده بكل الأمجاد ، ومع هذا، فما تزال له فى الإنشاد، مكانة موازية لعبقرية زميله الشيخ محمد رفعت فى القراءة والتجويد
و هناك مقولة مفادها أن الشيخ على محمود كان واحدا من أربعة متعاصرين من القرّاء المؤدّين العباقرة ، الذين وصلوا القمة فى شهرتهم ، وأدائهم ، مع اختلاف تجلياتهم وقدراتهم وآثارهم (محمد رفعت ، وعلى محمود ، و درويش الحريرى ، وأبو العلا محمد ) و هؤلاء جميعا قد واكبوا فجر النهضة المصرية الحديثة ..!
رحل الشيخ على محمود فى عام 1946م