مساحة إعلانية
هــنـــــــد بــنْــــت الـنـــعــمـان مُــشـــــعِــلــة موقـــــعة " ذى قــار"
"هند" هو لقبها الملكى ، و اسمها الحُـرَقة - بفتح الراء أو بسكونها - بنت النعمان بن المنذر - ملك الحِيرة - كانت أحسن نساء زمانها خَلْقا و خُلُقا ، نشأت فى قصر أبيها ، ربيبة الحسب والنسب ، عاشت قبل الإسلام وبعده ، فى رغد من العيش ، تتقلب فى نعيم الملك ، حتى جاء اليوم الذى انقلبت به حياتها وحياة أبيها رأسا على عقب ، حينما طلبها "كسرى أبرويز" ملك بلاد فارس للزواج ، فرفض النعمان بن المنذر تزويجها من أعجمى حتى ولو كان ملكا، مما أغضب كسرى ، وعزم على الانتقام منه ، لإهانته إياه ، و زاد فى ذلك أن زيدا بن عدىّ (كاتبه و مترجمه العربى الذى يجيد العربية والفارسية ) أوغر صدر كسرى على الملك النعمان ، لأنه كان له ثأر عند الملك النعمان بن المنذر ، الذى قتل أباه ، وصف لكسرى جمال " هند" .. وكانت العرب لا ترضى بأن تزوّج بناتها للأعاجم
فكيف و " الـحُرَقة " هى هند بنت النعمان ، الأميرة والشاعرة ، بارعة الجمال ، فائقة الحسن ، راجحة العقل ، أميرة قومها، وهى أيضا شاعرة فصيحة بليغة ، أبوها هو ملك اللخميين المناذرة ، وأمها هى مارية الكندية ،
وأضمرها كسرى فى نفسه ، وعزم على أن يعاقب النعمان ، ولو عن طريق الغدر ، ادّعى كسرى أنه تقبل رفض النعمان بن المنذر له بصدر رحب ، ثم دعاه لزيارته ، لم يحتج النعمان إلى الكثير من الذكاء ليدرك أنه يدعوه لمصرعه لا محالة ، فالعرب تعرف أن ملوك فارس لا يؤمن جانبهم ، ولا يرعون عهدا، ولجانب الحيْطة، استودع النعمان أهله وماله و سلاحه عند هانئ بن مسعود الشيبانى ، زعيم قبيلة بنى شيبان ، ورحل ، وبالفعل حدث ما كان متوقعا ، فقد حبس كسرى الملك النعمان عنده حتى مات ..
وهكذا صارت هند بنت النعمان ، فبعد ملك عريض ، ومجد تليد ، نجد أن هندًا تلقفتها الأرض ، هائمة على وجهها ، تجوب البيداء ، بحثا عن الأمان ، بعدما دارت عليها دائرة الأيام ، بينما خشيت معظم قبائل العرب إيواء هند بنت النعمان ، باحثة عمن يأويها و يحميها من بطش كسرى ، الذى أرسل فى بلاد العرب يطلب تسليم أهل النعمان وسلاحه ، ويحذر كل من يأوى هندا ، إلى أن استجارت بقبيلة بكر بن وائل ، فى بادية " ذى قار " متمثلة فى الشاعرة والفارسة صفية بنت ثعلبة زعيم قبيلة شيبان - الملقبة بالحجيجة لحكمتها ورجاحة رأيها - ، وأخت فارسها المغوار عمرو بن ثعلبة " ، فأجارتها " الحجيجة " وكان هانئ بن مسعود رفض أن يسلم الوديعة إلا لصاحبها حفظا للأمانة ، ولما علم كسرى بإيواء قبيلة بنى شيبان لهند بنت النعمان ، وتجاهلهم لتهديده ، أخذه الغرور والأنفة وبعث بجيش كبير، لإذلال بنى شيبان والنيْل منهم وممن جاورهم ، ولكن تمت هزيمة جيش الفرس، فاستشاط كسرى غضبا ، فأعدّ جيشا كبيرا، قاده بنفسه هو و ولداه ، ولما علمت قبائل العرب ، عزمت على مؤازرة إخوانهم (وتلك من سمات الحميّة عند العرب ، وكانوا يحمون الجوار، ولو كان الثمن أرواحهم ) ، و تخطى العرب كل خلافاتهم لملاقاة الفرس ) ، وكأن السماء كانت قد أعدّت "هندا" بنت النعمان ، لتصبح القلب النابض الذى ألهب الحماسة والحمية ، فى شرايين القبائل العربية ..!
واشتعلت الحرب فى موقعة " ذى قار " (التى بذلت فيها "الحجيجة "وقبيلتها جهدا خارقا)..
وكان أول وأعظم انتصار كبير للعرب على الفرس - فى الجاهلية قبيل الإسلام - فقد أسفرت الحرب بين العرب والفرس فى موقعة " ذى قار " عن هزيمة ساحقة لجيش كسرى وعن مقتل نجليه فيها ..
وصارت معركة "ذى قار " رادعا لكل معتدٍ ، لم يجرؤ بعدها أحد من الأكاسرة ولا من غيرهم من الأعاجم ، على الاقتراب من العرب أو قتالهم ، بل أصبحت رادعا لكل من تسوّل له نفسه التفكير فى الاعتداء على العرب ، بعد ذلك ..!