مساحة إعلانية
العنصر الثاني: الوقف::
الوقف ظاهرة صوتية نظرا لما يحدثه من تغيرات صوتية على الحرف الذي يتم الوقوف عليه. بل واللفظ الذي يتم السكوت عليه، وهو في نفس الوقت أحد القرائن السياقية التي تتحدد من خلالها دلالة النص. وارتبط الوقف أو السكوت بالسكون أي انقطاع الأداء الصوتي بالصمت اللطيف أو المعلق أو التام، وارتبط الوقف أيضا بالثبات وعدم الحركة، ومن الطبيعي أن يتخلل الكلام المتصل وقفات تقسمه إلى (وحدات لغوية تركيبية)، حتى لا يلتبس المعنى أو تضل الدلالة. وينبغي أن تقوم هذه الوقفات على اسس واضحة ومبررة، أو بمعنى آخر لابد من شروط للوقف منها:
(1) أن يكون الوقف على كلام استوفى عناصره، فلا يجوز الفصل – بالوقف- بين المبتدأ والخبر، أو بين الفعل وفاعله، أو بين المسند والمسند إليه، أو بين الصفة والموصوف، أو بين المضاف والمضاف إليه.
(2) هناك ارتباط بين موضع الوقف و الدلالة. فتحديد موضع الوقف من شأنه أن يحدد أشكال التراكيب اللغوية، ومن ثم دلالاتها، فإذا تغير موضع الوقف اختلف بالضرورة شكل التركيب وهو ما يترتب عليه اختلاف الدلالة. ففي مفتتح (سورة القرة) نجد الآية (ذَلِكَ الكتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدَى لِلْمُتَّقِينْ) فلو وقفنا بعد قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبْ) لأنتج الوقف معنى يؤكد على صدقية الكتاب وأنه النموذج للكتاب بلا شك. ويختلف المعنى باختلاف الوقف (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهْ ). ولو استأنفنا بعد الوقف على(ريب)، لتوصلنا إلى معنى مختلف عن حالة الوصل ( فِيهِ هُدَى لِلْمُتَقِينْ)
(3) يمكن أن يكون الوقف على تمام التركيبة الصوتية ( الوحدة الصوتية أو التفعيلة) سواء كان الوقف معلقا أو تاما, ويجوز الوقف اللطيف على جزء من التركيبة الصوتية والدلالية لدوافع فنية، كالركزة التي يمكن الاستئناف بعدها... وغيرها.
(4) قد يكون الوقف مجرد قيمة جمالية، مثل (الركزة) أو الوقفة اللطيفة التي تعقب التطويحة في العديد والحنين، أو الوقف لإبراز الجناس كما في الموال الشعبي .
(5) وقد يكون الوقف لاكتمال التركيبة الصوتية دون اكتمال الدلالة، ويكون الوقف في هذه الحالة معلقا.
(6) وأخيرا يكون الوقف تاما، إذا توافق اكتمال التركيبة اللغوية أو الدلالة مع التركيبة الصوتية. وهو الوقوف على القافية.
وفي لغاتنا العربية ليس هناك وقف على (الحركة القصيرة): كالفتحة والكسرة والضمة؛ فالعرب لا تقف على متحرك ولا تبدأ بساكن، وإن كان الوقوف على (الحركة الطويلة) أو المد شائعا، كقوله تعالى: ( وكانَ اللهُ غَفُورًا رَحيمًا ). ويشير (ابن جني) إلى القيمة الإيقاعية لوقفات المنشدين، فيقول إن الوقف على مقاطع الأجزاء يكون أبين وأوضح، وذلك يعني أن هناك وقفات أخفى قد يقفها المنشدون بين أجزاء التفعيلة، ليس هذا فحسب، بل إنه يذكر أن مقدار هذه الوقفات ومداها متروك للمنشد.
مقتطف من كتاب ( عن البنية الشعرية في شعر التراث الشعبي المصري ) للشاعر الكبير درويش الاسيوطي