مساحة إعلانية
الشاعرة العربية التى عُرفت بجمالها وقوة شخصيتها وفصاحتها ، " ليلى الأخيلية " ، ليلى هى ابنة عبد الله بن الرّحّال من عامر بن صعصعة من هوازن ، المولودة فى جزيرة العرب ، فى حقبة صدر الإسلام ، وتُجمع المصادر على أنها كانت فارعة الطول ، وشديدة الجمال ، فضلا عما امتلكته من قوة الشخصية ، وفصاحة اللسان ، فقد نافست الشعراء الفحول على حلبات اللغة ، ففضّلها الأصمعى على الخنساء ، ويصفها أبو الفرج الأصفهانى فى كتاب "الأغانى" بأنها واحدة من" النساء المتقدمات بين شعراء صدر الإسلام " عاشت ليلى الأخيلية فى عصر الخلفاء الراشدين ، أى أنها عاصرت عصر صدر الإسلام ، والعصر الأموى ، وانتشرت قصة عشقها المتبادل لتوبة بن الحُميّر ( "توبة" هو أحد العشّاق المشهورين عند العرب ، والبعض ينطقون اسمه "تُـوبة ") ، وكانت قصة حب أسطورية مؤثّرة ، جمعت بين شاعرين , ولما كان قد ذكرها " توبة " فى شعره ، وطلبها من أبيها للزواج ، ولما كان من عادة العرب ألّا يتمّوا مثل هذا الزواج ، فقد زوّجها أبوها - رغما عنها- من غيره ( ولكنّ ذلك لم يحجب حقيقة حبها له) ، ولم تكن قصة حبهما، لتختلف كثيرا عن سياق القصص المماثلة التى شهدتها حقبة صدر الإسلام والعقود الأولى من العصر الأموى ، والتى منحتها " القُـبّرة " ظهيرها الأسطورى ، ونهايتها المأساوية - كما سنرى- ، ومع أن قصة الحب هذه لم تنل من الشهرة والتداول مقدار ما نالته قصص العذريين ، بسبب طبيعتها الواقعية ، وخلوها من الأسطرة والشطط المفرط ، إلا أنّ أكثر ما يميزها عن مثيلاتها، هو أن ليلى فى هذه القصة لا تكتفى بموقع المعشوقة الغائبة والملهمة، والمتلقية لردود الأفعال ، بل هى المرأة الفاعلة والمتّـقدة الذكاء، والشاعرة التى تضاهى الرجل العاشق موهبة وقوة حضور،لا بل يمكن للدارس المتأمل أن يرصد فى بعض قصائد ليلى من متانة السبك ، و فحولة فى النظم ، و وعورة فى الألفاظ ، مالا يضاهى شعر " توبة" فحسب ، بل وأيضا الكثير من الشعراء الذكور ، خلافا لما عرفه الشِّعر النسوى والشعر العذرى - على السواء - من بساطة وليونة تعبيرية ، ولعل هذه المتانة بالذات هى التى حدت بالأصمعى إلى تفضيلها على الخنساء ..
وكسائر قصص الحب المشابهة لا يسدل زواج الأخيلية - من غير حبيبها- الستار على تلك العلاقة ، بل هو يستأنفها على نحو أوثق وأكثر دراماتيكية واحتداما، و كان قد دأب توبة على زيارة ليلى فى مضارب زوجها ، وحين شكاه زوجها إلى السلطان الذى أهدر دمه، فكمَن له رجال وراء أكمة ليقتلوه عند مجيئه ، حتى إذا حان موعد اللقاء وخرجت إليه ليلى حاسرة الرأس ، فعرف أنها تفعل ذلك لتشير إلى أمر يُدبّر ضدّه ، فألوى عنق ناقته ورحل .. و نظم قصيدة فى هذه الواقعة يقول فيها :
و كنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت
وقد رابـنى منها الغداة سفورها
ظلت ليلى حتى فى سنى شيخوختها متّـقدة الذكاء ، وسريعة البديهة ، وبالغة الجرأة .. والأدلّ على ذلك ما حدث لها مع الخليفة عبد الملك بن مروان الذى سألها : " ما الذى رآه توبة فيكِ حتى وقع فى عشقك ؟" فأجابته على الفور " لقد رأى ما رآه الناس فيك حين جعلوك خليفتهم "
و قُدّر لـ" ليلى " أن تعيش سنوات عديدة بعد رحيل توبة ، وقيل إنها مرت على قبر "توبة" هى وزوجها، وسلّمت عليه ، فقيل لها" كيف يرد عليكِ ؟" فقالت ما عهدته إلا صادقا، وذكرت شعره الذى قاله :
ولو أنّ ليلى الأخــيـــليــة سلّمت
علىّ وفـــــــوقى تُــــربـة وصفائــــحُ
لسلّــــمت تسلــــيم البشاشة أو زقا
إليـــها صدًى من جانـب القبر صائــحُ
وتصادف أن صاحت قُبّرةٌ -كانت بجوار القبر - فجفلت ناقتها، فأسقطتها، فماتت ، ودفنت بجوار قبر "توبة" ، وكانت وفاتها فى نحو عام (704م - 80 هـ)..!