مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الأستاذ الدكتور مصطفي رجب يكتب:تاريخي الناصع .. مع " المناهج" !!

2025-05-02 04:26:49 - 
الشاعر الأستاذ الدكتور مصطفي رجب يكتب:تاريخي الناصع .. مع " المناهج" !!
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

مقرر المناهج في كليات التربية : مقرر لا دينَ له !! ولا أصل له ولا فصل !! فهم يسندون تدريسه لأي أحد بلا أدنى حرج ، وهو ما يستحيل أن يحدث مع أي مقرر آخر . وإليكم قصتي معه :
قضيتُ السنتين الأوليين بالجامعة بين زيدٍ وعمرو ، والبلاغة القديمة، والنقد القديم والحديث ، وما يتصل بذلك من علوم ، وكان يرافق تلكم المقررات مقرر تربوي واحد اسمه " المدخل إلى التربية وعلم النفس " يدرِّسه لنا معيد أو معيدة ، لأن الكبار من أساتذتنا التربويين كانوا يستنكفون أن يدرِّسوا مقررا بهذا الاسم المُهين ، حتى إذا دلفنا إلى السنة الثالثة ، سقطت علينا أسماء لمقررات تربوية كثيرة منها : أصول التربية ، وتاريخ التربية وتاريخ التعليم ، والمناهج ، والوسائل التعليمية ، وعلم النفس التربوي ، وعلم نفس – لامؤاخذة – النموّ ، وطرق التدريس 
ناهيك عن يوم أسبوعي نقضيه كاملا في إحدى المدارس نسمع المعلمين أو الموجهين وهم يشرحون ثم نقلدهم فنشرح نحن ويسمعوننا ويقيموننا ...
كانت كل تلك المقررات التربوية عبئا جسيما ثقيلا على شاب متخلف مثلي لا يكاد يألف من المطبوع إلا ما يتصل بالنحو والصرف والبلاغة والنقد والعَروض وعلوم الشريعة والتاريخ .. فكنتُ أحضر المحاضرة الأولى لكل مقرر من تلكم المقررات الغريبة ، فإذا استسغتُه كتاريخ التعليم أو مشكلات المجتمع ، اندمجتُ في حضوره ، وأما ما أنكرتُه منها كعلوم النفس والمناهج فكنتُ أفر منه فراري من الكمساريّة في القطارات !! 
ووقعت الواقعة ....
جاءني زميلي " عصمان" اسماعيل بنبأ غير سارّ في المدينة الجامعية ، فقد أخبرني أن الأستاذ " فرنسيس عبد النور " رئيس قسم المناهج وطرائق التدريس ، سيمتحن دفعتنا غدا فيما درَّس لنا من مقرر المناهج ليضع نصف درجة أعمال السنة ؟ نصف ؟ وأعمال سنة ؟ ماعسى أن يكون معنى ذلك كله ؟ ثم ماذا درستم في هذه المادة يا عصمان ؟ قال : درسنا " التغير الثقافي " ! قلت له : وما عسى أن يكون ذلك " التغير الثقافي " ؟ قال عصمان ببراءة لا أشك فيها : علمي وعلمك واحد يا خال ، بكرة نسأل زميلنا " علي مراد زهران " ، وكان هذا الأخير زميلا ديروطيا طيبا ..متفائلا.. مقبلا على الحياة بدون مبرر!! لكنه كان قريبا منا .
ذهبنا إلى صاحبنا هذا في سكنه فوجدناه يعاني أشد المعاناة في إصلاح (جوزة ) " زرجنتْ " معه يتعاطى بها المُعَسّل ، فأخذ يكلمنا عن المناهج كلاما لا رأس له ولا ذَنَب ، فانصرفنا.
وفي اليوم التالي دخل الأستاذ " فرنسيس عبد النور " متفائلا مقبلا على الحياة ، وطلب من كل منا أن يخرج ورقة ويكتب عليها اسمه ثم أملى علينا سؤالا عن: مفهوم التغير الثقافي ومتطلباته وعمّاته وخالاته وبنات الأخ وبنات الأخت ... 
وساد القاعة صمتٌ رهيييييييييب ، كان الجميع يكتبون ، مندمجين ، وكنت وحدي مُبَلِّمًا أشد التبليم ، وأبشعه ، فما عسى أن يكون ذلك التغير الثقافي ؟ 
كتبت يومها : " إن التغير الثقافي شيءٌ عظيم كلَّ العظمة ، رائعٌ غاية الروعة ، فخمٌ أشدَّ الفخامة .... و....و .... وإن أعظم تغير ثقافي حدث في القرن العشرين ، هو ما حدث العام الماضي حين اقتحمت قواتنا خط بارليف ، وكبَّدت العدو خسائر فادحة ، ... وكنت سنتئذ فائزا في مسابقة عن حرب أكتوبر ، فماتزال في ذاكرتي أعداد الطائرات والمدرعات والدبابات والمدفعية الثقيلة والخفيفة والصواريخ ... فذكرتُ ذلك كله بتفصيل عجيب .... وسلمتُ الورقة للأستاذ ، وفررت فراراً ، قبل أن ينظر فيها ...
بعد أسبوع أو اثنين ، جاءتني وفود تترى من دفعتي إلى غرفتي بالمدينة تقول لي إن الأستاذ " فرنسيس عبد النور " يبحث عنك بشدة واهتمام ، فقلنا له إنك لا تحضر إلا محاضرات النحو والصرف ، فقال : بلغوه إنه أخد ( صفر ) في المناهج ، ده كان كاتب لي عن حرب أكتوبر !!
وبالفعل ...أتى الصفر بنتيجة طيبة ففي آخر العام حصلت في هذه المادة على (مقبول) ، وفي السنة الرابعة حصلت في المادة نفسها " المناهج" على (مقبول) 
وقد كنتُ أرد للأستاذ فرنسيس هذه " المقبولات " ردًّا جسيما في الامتحانات ، فعلى أيامنا ، كان بإمكان أي طالب أن يطلب حضور رئيس اللجان شخصيا ، وهذا ما كنت أفعله حين أعلم أن الأستاذ فرنسيس هو الرئيس العام للامتحانات فقد كنا نؤدي الامتحانات في مخيمات واسعة جدا تشغل كل فناء مبنى الإدارة العامة لجامعة أسيوط القديمة ، فكانت رحلة الأستاذ من مقره هناك إلى عندي شاقة بالفعل ، فإذا وصل عندي الأستاذ فرنسيس واكتشف أنني أنا الذي أطلبه برطم ببضع كلمات لا أدري أهي شتائم أم " فَشّ غل " .. فإذا وصل عندي وخلفه المراقب والمراقب العام والملاحظان قال مشمئنطا : " هو أنت ..؟ نعم يا أفندي ؟ " فكنت أسأله ببلاهة وعيناي تسيلان أدبا : "هو اللي يخلِّص قبل نص الوقت ممكن يمشي ؟ " 
وكان سبب عبثي مع أستاذنا فرنسيس أنه كان متخصصا في طرائق تدريس اللغة الإنجليزية ، وكنت وأنا في السنة الثالثة بالجامعة لا أعرف كيف يدرس متخصص في طرائق التدريس مقررا يسمى المناهج ؟ وقد تكرر هذا المشهد المأساوي معنا في السنة الرابعة مع أستاذ جليل هو الدكتور محمد علي إمام وهو أيضا متخصص في طرائق تدريس اللغة الانجليزية ، لكنه كان مكتبة متحركة ، فقد قرأ مكتبتي تربية أسيوط العربية والانجليزية كاملتين ، وحين كنا معيدين كان بعض البريطانيين الذين يدرّسون اللغة ، يعودون أحيانا للدكتور إمام يسألونه عن لغتهم !! متعه الله بالصحة والعافية . ولحديثي عنه حلقة خاصة حافلة بالأحداث والمرح . 
فيما بعد ، ونحن في الدبلوم الخاصة ، أخبرني زميلي وشريكي في السكن ، وبلدياتي ، الدكتور / "عبد الجواد توفيق محمود أحمد عوض الجلوي " - وهو أستاذ أدب انجليزي ووكيل آداب أسيوط بالمعاش حاليا - أن كتاب أستاذنا فرنسيس المنشورة صورته " مهبوش هبشا شبه كامل من مؤلف أميريكي غير مدرَج في قائمة المراجع !!
الله يسامحك يا عم فرنسيس كنت بتأكَّلنا مناهج مهبوشة !!!
وهكذا ....كانت قصتي مع مقرر "المناهج " – و.. لها بقية - : مأساة حياة متكررة . !!

مساحة إعلانية