مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الباحث والشاعر عبد الستار سليم :المحسنات البديعية

2024-12-21 23:21:54 -  تحديث:  2024-12-21 23:25:17 - 
الباحث والشاعر عبد الستار سليم :المحسنات البديعية
الشاعر عبد الستار سليم
منبر

المحسنات البديعية .. السجع - التورية- الجناس

المحسنات  البديعية هى زينة لفظية  أو زخرف بديعى ، ومن هذه المحسّنات البديعية السجع  والتورية والجناس ، والغرض من المحسنات  تنميق الكلام وتزيينه ، فهى من الوسائل التى يستعين بها الأديب  لإظهار  مشاعره وعواطفه ، وللتأثير فى النفس ، وهذه المحسنات تكون رائعة ، إذا كانت قليلة ومؤدية المعنى الذى يقصده الأديب ، أما إذا جاءت كثيرة ومتكلّفة ، فقدت جمالها  وتأثيرها ، وأصبحت دليل ضعف الأسلوب وعجز الأديب 
أولا:( السّجْــع )
 السّجْع : وهو يختص بالكلام المنثور ، ، و الفعل  "سَجَعَ" تكلّم بكلام مقفّى ، أى بكلام له فواصل كفواصل الشعر ، ولكن من غير وزن . . ومن معانيه : "سجَع " يسجع سجعًا ، استوى واستقام ، وأشبه بعضه بعضا.. فالسجع إذن هو الكلام المقفّى، أى توافق الفواصل  فى فقرتين أو أكثر فى الحرف الأخير، أو الكلمة الأخيرة .. وأفضله ما كانت فقراته  متساوية  فى الطول ، وقد يرد فى الشعرالكلام المقفى ، ( فالفاصلة  فى النثر ،  تناظر القافية الداخلية  فى الشعر)، قال الشاعر 
(همُ القوم ، إن قالوا أصابوا ، وإن دُعُوا
أجابوا، و إن أععطوا  أطابوا ، وأجزلوا )
وقالت الخنساء - شعرًا-
(طويل النجاد ، رفيع العماد ، ساد  عشيرته أمردا )    
وللخنساء أيضا 
( حامى الحقيقة ،  محمود الخليقة ، 
مهديّ الطريقة ، نفّاعٌ    و   ضَرّارُ)
وكذا الآيات القرآنية الكريمة تنتهى بفواصل مسجوعة ، فى غاية الروعة والجمال .. جاء فى التنزيل العزيز
 (( والطور ، وكتاب مسطور ، فى رقّ منشور، والبيت المعمور)) ..! وإن كان السّلَف كرهوا السجع   ، فهم كرهوا  منه المتكلَّف ، ونَهَــوْا عنه ( فى الدعاء خاصة)..! واحترامًا وتقديرًا وتأدّبًا، لا يسمّى ما فى القرآن سجعًا ، وإنما يسمّى التوافق بين الفواصل ، لذا دأب العلماء على تسمية السجع -إن ورد فى القرآن الكريم - بالفاصلة القرآنية ، لقوله تعالى ( كتاب فُصّلَت آياته ) جاء فى التنزيل العزيز (فيها سُرُر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ) ..!
  ثانيا :  (الـتــــورية )
التورية - فى اللغة - هى مصدر "ورّيْت الخبر توريةً " إذا سترته وأظهرت غيره ، واصطلاحًا " التورية هى أن نطلق لفظًا له معنيان ، أحدهما قريب غير مُراد ، والآخر بعيد وهو المراد ، فيتوهّم السامع أنه يريد المعنى القريب ،  وهذا يحرك ذهن السامع ويثير انتباهه، فيتأمل النص لكى يصل  إلى المعنى المقصود والخفى .. قال الشاعر 
(أبياتُ شِعرك كالقصور  ولا   قصور بها يعوق 
ومن العجائب لَفْـظُها  حُـرّ ومعناها رقيق )
فلكلمة "رقيق" معنيان ، الأول قريب متبادر، وهو "العبد المملوك " ، وسبب تبادرهوإلى الذهن ، ما سبقه من كلمة "حُرّ ، والثانى بعيد ، وهو "اللطيف السهل ، أو الشفّاف"  وهذا هو المعنى الذى يريده الشاعر، بعد أن ستره فى ظل المعنى القريب .. فالتورية تضفى على المعنى غموضًا لا يصل إلى حد الإبهام ، إذ فيها ظاهرة الإخفاء والتجلّى ، التى تثير ذهنية المتلقى للنص الأدبى ..! قد تكون الغاية من التورية ، إما إثارة الذهن ، أو الهروب من المساءلة القانونية .. لذا استخدمها الشعراء فى الهجاء ، وقد تكون للتفكّه ، و من مثال ذلك ، الذى حصل بين الشاعرين الكبيرين  حافظ ابراهيم ، وأحمد شوقى ..  كانا - فى ليلة باردة -  يتسامران ، فقال الشاعر حافظ ابراهيم للشاعر  أحمد شوقى ، وهو يشاكسه ويلاطفه :
( يقولون إنّ  الشوقَ نارٌ   و  لوعةٌ
فما بالُ شوقى اليومَ أصبح باردَا)
فما كان من الشاعر  أحمد شوقى إلا أن ردّ عليه قائلًا :
(وأودعْـتُ  إنسانًا و كلـْـبًـا   أمانةً 
فضَيّـــعَها الإنسانُ والكلبُ حافظُ)
ومن التورية ما يثير الذهن ، مثل الذى ورد فى التنزيل العزيز (( وهو الذى يتوفّاكم بالليل ويعلم ما جرَحْـتُم  بالنهار )) والتورية هنا، فى كلمة "جرحتم " ، فالمعنى القريب" جرح فى الجسم " ، والمعنى البعيد المقصود 
" الكسْب أو ارتكاب الذنوب والمعاصى "
فكما رأينا ، سرّ جمال التورية ، فى أنها تعمل على جذب الانتباه، وإيقاظ الشعور ، وإثارة الذهن ، ونقل إحساس الأديب

( يتبع -  الجناس / السبت القادم إن شاء الله )

مساحة إعلانية