مساحة إعلانية
المحسنات البديعية .. السجع - التورية- الجناس
المحسنات البديعية هى زينة لفظية أو زخرف بديعى ، ومن هذه المحسّنات البديعية السجع والتورية والجناس ، والغرض من المحسنات تنميق الكلام وتزيينه ، فهى من الوسائل التى يستعين بها الأديب لإظهار مشاعره وعواطفه ، وللتأثير فى النفس ، وهذه المحسنات تكون رائعة ، إذا كانت قليلة ومؤدية المعنى الذى يقصده الأديب ، أما إذا جاءت كثيرة ومتكلّفة ، فقدت جمالها وتأثيرها ، وأصبحت دليل ضعف الأسلوب وعجز الأديب
أولا:( السّجْــع )
السّجْع : وهو يختص بالكلام المنثور ، ، و الفعل "سَجَعَ" تكلّم بكلام مقفّى ، أى بكلام له فواصل كفواصل الشعر ، ولكن من غير وزن . . ومن معانيه : "سجَع " يسجع سجعًا ، استوى واستقام ، وأشبه بعضه بعضا.. فالسجع إذن هو الكلام المقفّى، أى توافق الفواصل فى فقرتين أو أكثر فى الحرف الأخير، أو الكلمة الأخيرة .. وأفضله ما كانت فقراته متساوية فى الطول ، وقد يرد فى الشعرالكلام المقفى ، ( فالفاصلة فى النثر ، تناظر القافية الداخلية فى الشعر)، قال الشاعر
(همُ القوم ، إن قالوا أصابوا ، وإن دُعُوا
أجابوا، و إن أععطوا أطابوا ، وأجزلوا )
وقالت الخنساء - شعرًا-
(طويل النجاد ، رفيع العماد ، ساد عشيرته أمردا )
وللخنساء أيضا
( حامى الحقيقة ، محمود الخليقة ،
مهديّ الطريقة ، نفّاعٌ و ضَرّارُ)
وكذا الآيات القرآنية الكريمة تنتهى بفواصل مسجوعة ، فى غاية الروعة والجمال .. جاء فى التنزيل العزيز
(( والطور ، وكتاب مسطور ، فى رقّ منشور، والبيت المعمور)) ..! وإن كان السّلَف كرهوا السجع ، فهم كرهوا منه المتكلَّف ، ونَهَــوْا عنه ( فى الدعاء خاصة)..! واحترامًا وتقديرًا وتأدّبًا، لا يسمّى ما فى القرآن سجعًا ، وإنما يسمّى التوافق بين الفواصل ، لذا دأب العلماء على تسمية السجع -إن ورد فى القرآن الكريم - بالفاصلة القرآنية ، لقوله تعالى ( كتاب فُصّلَت آياته ) جاء فى التنزيل العزيز (فيها سُرُر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ) ..!
ثانيا : (الـتــــورية )
التورية - فى اللغة - هى مصدر "ورّيْت الخبر توريةً " إذا سترته وأظهرت غيره ، واصطلاحًا " التورية هى أن نطلق لفظًا له معنيان ، أحدهما قريب غير مُراد ، والآخر بعيد وهو المراد ، فيتوهّم السامع أنه يريد المعنى القريب ، وهذا يحرك ذهن السامع ويثير انتباهه، فيتأمل النص لكى يصل إلى المعنى المقصود والخفى .. قال الشاعر
(أبياتُ شِعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لَفْـظُها حُـرّ ومعناها رقيق )
فلكلمة "رقيق" معنيان ، الأول قريب متبادر، وهو "العبد المملوك " ، وسبب تبادرهوإلى الذهن ، ما سبقه من كلمة "حُرّ ، والثانى بعيد ، وهو "اللطيف السهل ، أو الشفّاف" وهذا هو المعنى الذى يريده الشاعر، بعد أن ستره فى ظل المعنى القريب .. فالتورية تضفى على المعنى غموضًا لا يصل إلى حد الإبهام ، إذ فيها ظاهرة الإخفاء والتجلّى ، التى تثير ذهنية المتلقى للنص الأدبى ..! قد تكون الغاية من التورية ، إما إثارة الذهن ، أو الهروب من المساءلة القانونية .. لذا استخدمها الشعراء فى الهجاء ، وقد تكون للتفكّه ، و من مثال ذلك ، الذى حصل بين الشاعرين الكبيرين حافظ ابراهيم ، وأحمد شوقى .. كانا - فى ليلة باردة - يتسامران ، فقال الشاعر حافظ ابراهيم للشاعر أحمد شوقى ، وهو يشاكسه ويلاطفه :
( يقولون إنّ الشوقَ نارٌ و لوعةٌ
فما بالُ شوقى اليومَ أصبح باردَا)
فما كان من الشاعر أحمد شوقى إلا أن ردّ عليه قائلًا :
(وأودعْـتُ إنسانًا و كلـْـبًـا أمانةً
فضَيّـــعَها الإنسانُ والكلبُ حافظُ)
ومن التورية ما يثير الذهن ، مثل الذى ورد فى التنزيل العزيز (( وهو الذى يتوفّاكم بالليل ويعلم ما جرَحْـتُم بالنهار )) والتورية هنا، فى كلمة "جرحتم " ، فالمعنى القريب" جرح فى الجسم " ، والمعنى البعيد المقصود
" الكسْب أو ارتكاب الذنوب والمعاصى "
فكما رأينا ، سرّ جمال التورية ، فى أنها تعمل على جذب الانتباه، وإيقاظ الشعور ، وإثارة الذهن ، ونقل إحساس الأديب
( يتبع - الجناس / السبت القادم إن شاء الله )