مساحة إعلانية
بداية، ما هو القانون وما هي الأخلاق؟ ببساطة، القانون مجموعة من القواعد لتنظيم علاقة الفرد بالدولة وعلاقة الفرد بغيره من الأفراد في تلك الدولة، باختصار الحقوق والواجبات. وأما الأخلاق فهي مجموعة من السلوكيات تتمثل في سمات الفرد من حيث السلوك والأفعال وردود الأفعال، باختصار الطبع والسلوك.
القانون قواعد ثابتة، أما الأخلاق فهي سلوك متغير، لأن القانون لا يختلف باختلاف الأقاليم في الدولة الواحدة، أما الأخلاق التي هي طبائع وسلوك تختلف من شخص لشخص ومن مكان لآخر. وفي رأيي أن المجتمعات تقوم على القانون أولاً، فالأخلاق لا تصنع دولة، ولكن يصنعها القانون، لأن القانون كما قلنا قواعد ثابتة، أما الأخلاق فهي سلوك متغير.
ولو استقام قيام المجتمع على الأخلاق فقط، لما كان هناك تشريعات سماوية تمثل في الأصل قوانين إلهية قائمة على الحقوق والواجبات والثواب والعقاب. فالإنسان بطبيعته مزيج من الخير والشر معًا، وسماته الشخصية تتوقف على غلبة أحدهما على الآخر، ومهما بلغ الخير فينا مبلغه لا ينفي وجود الشر بداخلنا، كما أن الإنسان بطبيعته ذو مزاج متقلب وعرضة للضغوط والإغراءات والأهواء، وقد يختلف في سلوكه وتعامله وردود أفعاله باختلاف الأشخاص والمواقف والمرحلة العمرية أيضًا.
أما القانون فهو عكس ذلك تمامًا، لأنه ثوابت لا تتغير بتغير الأشخاص أو الأماكن أو المواقف غالبًا. والخلل القانوني لا تعالجه الأخلاق، بل سنجد الكثير ممن يستغلون هذا الخلل لمصالحهم الشخصية، متجاهلين المصالح العامة أو الشخصية للآخرين. فما الحال بغياب القانون؟ في حين أن الخلل الأخلاقي من الممكن معالجته بالقانون.
ففي كل مجتمع هناك الأخيار وهناك الأشرار، والقانون ضابط بينهما، فيحفظ للمجتمع توازنه وبالتالي بقاءه. ولأن القانون أيضًا يتم تنفيذه جبرًا وليس اختيارًا، بخلاف الأخلاق فهي قناعات شخصية وسلوك اختياري. ولذلك أيضًا عند حدوث انفلات أمني في أي مجتمع يعقبه مباشرة بالضرورة انفلات أخلاقي، فالأخلاق ضرورة تستقيم بها حياة الفرد، ولكن تبنى الدول والمجتمعات وتبقى بالقانون.
ويكفي أن نقول إن الكثير من المفكرين والفلاسفة والأدباء راودت أحلامهم فكرة المدينة الفاضلة القائمة على الأخلاق، ولكنها ظلت أحلامًا لم تتجاوز الخيال حتى أطلق عليها البعض الفردوس المفقود، في حين أن دولة القانون قابلة للوجود الفعلي في مختلف العصور والحضارات. ففكرة المدينة الفاضلة تناقض الطبيعة البشرية، حتى قالوا قديمًا: من أمن العقاب أساء الأدب.
وليس معنى هذا التقليل من أهمية الأخلاق، فهي جوهر أي مجتمع، بل إن القانون نفسه إن لم يرتكز على معايير أخلاقية أصبح قانونًا جائرًا وظالمًا. وما قصدته هنا بالقانون أولاً القانون العادل الذي يعمل لصالح الدولة من حيث الواجبات التي تحفظ للدولة بقاءها وأمنها وهيبتها، ولا تتعارض مع الحقوق، ولصالح المواطن بحيث يتمتع المواطن بكل حقوقه التي يكفلها له القانون والدستور والمواثيق الدولية.
وثانيًا أن يكون القانون كإشارة المرور التي بمجرد أن تعطي إشارتها الجميع يقف، لا فرق بين من يعبر الطريق على قدميه أو يقود دراجة أو سيارة. وليس القانون الذي يسير على رقاب البعض ويمتطيه البعض الآخر. بل حتى تعطيل القانون أو انهياره مع وجوده أو تفصيل قوانين خدمات خاصة أيضًا هو بمثابة غياب للقانون... فالعدل أساس الملك".