مساحة إعلانية
إيمان بدر
مع بدايات إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أكد المحللون العسكريون أن الأمر سوف يطول ولن ينتهي قريباً لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد فقط احتلال مساحة من دولة مجاورة أو إسقاط عاصمة ولكنه يتطلع إلي إحياء قومية أجداده السيلافية وامجاد امبراطورية القياصرة، ومن ثم لا يمكن لمحارب بهذه العقلية أن يتقبل الهزيمة بسهولة خاصةً وأنه يمتلك الأسلحة النووية والمساندة من قوي لا يستهان بها، في مقدمتها كوريا الشمالية ومجموعة دول البريكس التي تضم إلي جانب روسيا الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وعلي ذكر هذه المجموعة يتوقع الخبراء أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تنتهي بتنحي أو مقتل الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينيسكى، والاتيان برئيس جديد يقبل الدخول تحت عباءة بوتين أو علي الأقل الوقوف علي الحياد بشكل مسالم دون الاستقواء بأمريكا وحلف الناتو.
أما عن أمريكا وحلفائها من دول أوروبا الغربية وفي مقدمتها بريطانيا، فتدور التوقعات في فلك الاقتصاد الذي يرتبط دائماً بالسياسة العالمية والعلاقات الدولية، علما بأن المحللون توقعوا تداعي هذا النظام العالمي وانهياره منذ الأزمة الرأسمالية العالمية في ٢٠٠٧ التي تبعتها أزمة الغذاء العالمي في ٢٠٠٨، ومن ثم لا يمكن إتهام الحرب الروسية بأنها السبب في انهيار هذا النظام ولكنه علي ما يبدو حمل بين طياته أسباب انهياره منذ حالة الكراهية العالمية المتنامية ضد دولة تدعم الصهيونية تارة وتلقي بالقمح في المحيط لتجويع الناس تارة أخرى، ومؤخراً تتجه إلي رفع قيمة الفائدة علي عملتها ( الدولار) ليقفز بشكل جنوني ويتحول إلي موجات من الغلاء والفقر المدقع الذي تعاني منه الشعوب لتزداد فقرا بينما يزداد الأمريكان تصلفا، ولكن هذا التصرف كان المسمار الأول في عرش النظام العالمي الدولاري حيث لجأت غالبية الدول إلي التعامل فيما بينها بعملاتها المحلية علي غرار الاتفاق بين مصر وروسيا لتبادل السلع بالجنيه والروبيل وهو ما أنقذ مصر من أزمة نقص حاد في القمح ورغيف الخبز، وعلي نفس المنوال سارت دول البريكس ووقعت فيما بينها اتفاقيات تبادل تجاري بعملاتها المحلية، ودخلت علي الخط دول أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها الأرجنتين التي قررت التعامل مع جارتها البرازيل وباقي دول البريكس بالعملات المحلية، بل وامتدت الفكرة إلي دولة نفطية بحجم الإمارات، التي كانت أول دولة عربية تنضم إلي بنك البريكس لتستفيد من التعاملات التي ترفع قيمة عملتها وتخفف الضغط علي الدولار، فيما لم تكتفي مصر بعضوية بنك البريكس بل كان الرئيس عبد الفتاح السيسي هو أول رئيس مصري يشارك في قمة البريكس عام ٢٠١٧ حتي قبل أن تندلع الحرب الروسية لأنه كرجل مخابرات يعلم أن دوام الحال من المحال وأن المستقبل قادم بقوة لمثل هذه التحالفات السياسية والاقتصادية، ولنفس السبب كان التقارب الحالي بين مصر وتركيا وقطر وأيضاً مشروع التقارب بين دول الخليج وإيران وتصاعد احتمالات التقارب بين القاهرة وطهران.
وعلي خلفية ذلك يتوقع الخبراء أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تفرز منتصر ومهزوم بقدر ما سينتج عنها نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب نموره القادمة تتفرق بين قارات العالم ولكنها تجتمع حول مصالح مشتركة تصب في إتجاه سياسة التنوع والندية في زمن انتهت فيه التبعية والقطب الأوحد وفكرة القوتين العظمتين.