مساحة إعلانية
في فلسطين، لطالما كان الأدب الفلسطيني منذ النكبة إلي اليوم يعكس معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. في روايته “عائد إلي حيفا”، يعرض غسان كنفاني قصة سعيد وصفية اللذين عادا إلي حيفا للبحث عن ابنهما الضائع “خلدون” والذي يمثل هنا فلسطين المحتلة بعد عشرين عاما، ليجدا أن شوارعها لم تتغير أو تتطور، ولكن الذي تغير فيها هو البشر. فالاحتلال ليس هو احتلال الأرض فقط، ولكنه احتلال الفكر والروح ومحاولة تغيير الهوية والانتماء، يقول سعيد ليصف مشاعره لحظة الحرب في حيفا “ مثل حيوان طريد يشق طريقاً مستحيلاً في دغل كثيف متشابك. وفوقه كان الدخان والعويل ودوي القنابل وزخات الرصاص تمتزج أصواتها بالصراخ وهدير البحر وزحف الخطوات الضائعة وضرب المجاذيف سطح الموج.” تلك اللحظة الفارقة التي أدت بعدها إلي الاغتراب والتشتت وغيرت الكثير في نسيج المجتمع الفلسطيني. فخلدون ابنهما الرضيع الذي تركاه في حيفا صار اسمه “دوف” ويهوديا بل وجنديا يحارب في الطرف الآخر؛ فيقول لوالديه عندما أدرك أنه له أصل عربي “ إن والدي الأصليين هما، عربيان لم يتغير أي شيء. لا، لم يتغير. ذلك شيء مؤكد.. إن الإنسان هو في نهاية الأمر قضية.” وهذا هو التغير الذي وجداه في المدينة. لقد اختطف خلدون أي فلسطين وهجر أهله وهم الآن يبحثون عن العودة والتحرير.
في اليمن، نري كيف استطاع الأدب اليمني أن يعكس حجم الدمار الذي تأتي به الحرب علي المدن وعلي الافراد ففي رواية “بر الدناكل “ للأديب محمد الغربي عمران يتجسد الموت في كل كلمات الرواية، وهذا من خلال رؤية بطل الرواية “شنوق” الذي هو شخصية منعزلة عن المجتمع ويرتبط بعلاقة عاطفية مع “سقوة” ولكنه مع ذلك يستطيع أن يري تأثير الحرب علي بلاده؛ فيصف ذلك في العديد من المقاطع بالرواية ومنها قوله “ وغُطت جدران الدور بصور صبيان استهلكتهم الحرب.. الجميع يعيشون حالة ترقب وخوف.. المدينة تعيش حالة سريريه لبطش وتسلط رايات الدم.. فلا كهرباء ولا ماء.. ورغم ذلك الجميع ينتظرون الفجر.” وهنا نجد عاملا مشتركا في الأدب العربي وهو انتظار الفجر أو الأمل في انتهاء الحرب وعودة الحياة إلي طبيعتها. وفي الحرب ليس هناك أحد بمنأي عن الموت مهما كان ولاءه السياسي والمذهبي. ولذلك تظل الحقيقة غائبة وسط فوضي الحروب يمكننا أن نستشف ذلك من وصف “شنوق” لما يحدث “هناك القتل بعد الاختطاف.. نسف المنازل والمساجد التي يسيرها الطرف الآخر. شاشات التلفزة لا تنقل إلا ما يسمح به أمراء الحرب.. وما خفي من طغيان وبطش لا يعرفه أحد.”