مساحة إعلانية
عندما تختلط الكلمات بالدموع، ويشكلها الحزن علي فقدان الأهل والأحبة والأصدقاء، ينسج الأدباء منها نصوصاً استثنائية تُجسّد المأساة الإنسانية بأوضح صورها. وعندما يكتبون تحت وقع انفجارات البارود وأصوات المدافع، يصبح للحروف وقعٌ أقوي من دوي القنابل. هكذا هو حال الكثير من مبدعي الوطن العربي اليوم، الذي تكالبت عليه المؤامرات الدولية والقوي العالمية لتمزق أوصاله، وتنشر الفوضي والموت في ربوعه. يصارع هؤلاء الأدباء من أجل البقاء، ومن أجل تحرير العقول من قيود التعصب والكراهية. ورغم ذلك، ربما يكونون حالمين، يؤمنون بفكرة المدينة الفاضلة التي تسودها العدالة والسلام. لكنهم، في النهاية، مثلهم مثل غيرهم من الناس، تلتهمهم نيران تلك الصراعات التي وجدوا أنفسهم طرفاً فيها، سواء عن قصد أو دون قصد منهم.
من أقسي التجارب التي يمر بها الإنسان في وطننا العربي، تعرضه لخطر يهدد حياته ووطنه وأمنه، نتيجة حروب اندلعت في بلاده. قد تكون هذه الحروب بسبب عدو خارجي يسعي لاحتلال أرضه ونهب خيراته، فيعيش الإنسان فيضطر إلي الاستعداد للدفاع عن وطنه وأرضه حتي لو كان الثمن حياته ذاتها مما يجعله مترقباً للموت الذي قد يأتي في أي لحظة. وقد تكون تلك الحروب أهلية طاحنة، يتحول فيها الجار أو شريك الوطن المختلف في العرق أو الدين إلي عدو يطارده ليل نهار، لتحقيق مصالح شخصية لفئة استبدت بها شهوة السلطة والحكم، أو لأجل خدمة مرتزقة مأجورين يسعون لتحقيق أهداف دول أخرى.
أما الأديب والمبدع الذي يجد نفسه محاصراً داخل هذه الدائرة، فإنه لا يستطيع الإفلات من تأثيرها، فينعكس ذلك بوضوح في أعماله الأدبية. ولهذا، تُعَدُّ هذه الأعمال مصدراً مهماً وملهماً للأدب العربي، إذ يسعي الكاتب من خلالها إلي توثيق المعاناة الإنسانية وطرح الأسئلة العميقة حول الهوية، الوجود، والمستقبل. وكأن الكاتب يجد نفسه في مواجهة هذه الصراعات، رغم أنه في بعض الأحيان قد ينحاز لطرف علي حساب آخر. في جميع الأحوال، يترك هذا الواقع تأثيراً كبيراً علي الأدب. فهناك من لا يستطيع الإبداع وسط بيئة مشبعة بالكراهية، فينزوي بعيداً وتخفت طاقته الإبداعية تدريجياً حتي يُنسي تماماً. وهناك من يظل مهموماً بما يحدث في وطنه، فتظهر آثار الحرب جليةً في أعماله، التي تدعو إلي الحرية، وتصوّر آلام الناس، وتنقل مشاعرهم. كما تسعي هذه الأعمال إلي البحث عن سبل الشفاء والتغيير، لتقديم أفق جديد يحمل الأمل لمستقبل.