مساحة إعلانية
هل من الواجب أن يكون للعظمه بريق؟! أليست العظمه الحقيقيه هى صدق الانسان مع نفسه .. ذلك الصدق الذى يجعله شريفا وجسورا ونبيلا ومضحيا بنفسه إلى أبعد الحدود ودون أن يتكلم
من قصص تشيكوف الرائعه قصه اسمها العنبر رقم 6 وهى تتحدث عن المكان وألمه وقسوته فى نفوس الشرفاء .. وبطل هذه القصه طبيب يشاركه البطوله مجنون
والطبيب رجل متوسط السن عهد اليه منذ عشرون عاما بالاشراف على إحدى المستشفيات الصغيره فى قريه تبعد عن محطة القطار عشرات الأميال
هذا الطبيب رجل حيي وديع قرأ كثيرا وتأمل كثيرا حتى إستوى فى ذهنه كل شئ .. وهو ايضا وافر الأدب جم الإحتشام حتى أنه يعطى أوامره لممرضيه وخادمه بصفة الرجاء الودود
زار الطبيب المستشفى فور تعينه وطاف بعنابر المرضى حتى انتهى إلى العنبر رقم 6 حيث يرقد مرضى العقل والمجانين
كان من بين المجانين يهودى قذر الهيئه رث الثياب يخرج فى الليل يتسول الصدقات ثم يعود الى العنبر فيستقبله الحارس باللكمات ويستولى على ما عساه ان يجمعه من قطع النقد الصغيره
وكان فيهم رجل فلاح عجوز صامت لا يتكلم .. وكان فيهم أيضا مجنون شاب كان موظفا فى الحكومه وخيل إليه ذات مره أن الشرطه تطلبه لجريمه لم يرتكبها.. فمشى فى الطرقات يؤكد براءته حتى سيق إلى العنبر رقم 6 .. وفى طفولة هذا المجنون قصة اخرى حيث أتهم والده بالإختلاس .. ثم سيق الى السجن ومن السجن الى سيبريا حيث لم يعد يسمع عنه احد .
كان هذا المجنون الشاب قارئا جيدا وهو فى ذلك يلقى بالكتاب تلو الآخر بعد ان يقلب صفحاته جميعا .. فأحتشدت فى ذهنه عشرات الأفكار وحين دخل العنبر رقم 6 كان كل ما يفعله أن يستلقى على سريره ويتأمل .
وفى أول يوم من أيامه بالمستشفى دخل الطبيب العنبر رقم 6 وروع ضميره القسوه التى يعيش فى ظلها المرضى .. ورجا الممرضين بصوته الواهن ولهجته المؤدبه ان يصلحوا الطعام ويعتنوا بالمرضى ثم خرج ولم يحدث شيئا ومرت عشرون عاما. ولم يدخل الطبيب العنبر.. وذات يوم دخله لأن شغبا حدث بالمكان وفوجئ بشخصيه المريض المتأمل .. ودارت بينهم مناقشه .. وكان المريض يهاجم الطبيب بسبب سوء المعامله .. والطبيب يحاول ان يقنعه ان ألم المكان هو شريعة الحياه وأن الحياه فى الخارج لا تقل سوءا عن الحياه فى داخل العنبر .. وأن ديوجين الفيلسوف اليونانى حبس نفسه فى برميل حتى يتقى شرور الناس
وكان المريض يقول للطبيب أنت كاذب تتحدث عن ألم المكان وأنت لا تعرفه .. ولو كان ديوجين الذى تتحدث عنه يعيش فى صقيع روسيا ما استطاع ان يحبس نفسه فى برميل .
عاد الطبيب الى غرفته لكنه فقد سكينته لقد وجد من يبادله الحديث فى هذه المدينه الصغيره الكابيه.. وفى المساء التالى ذهب الطبيب إلى العنبر رقم 6 ليناقش المريض وتشادا واختلفا وبكى المريض وربت عليه الطبيب ثم خرج .. وتكررت زيارات الطبيب للعنبر حتى تهامس مساعدوا الطبيب وأعضاء المجلس البلدى للقريه أن الطبيب أصبح مجنونا واقنعوه بالاستقاله والراحه ..، لكنه ظل يزور المريض فى العنبر رقم 6
وذات مره تمت خدعه حيث ذهب المساعد الذى اصبح طبيب المستشفى الى بيت رئيسه ورجاه أن يصحبه لتشخيص حالة خطيره .. وصحبه الطبيب مبتهجا.. وما كاد يصل الى العنبر رقم 6 حتى البسوه قميص المجانين والقوا به على سرير بجوار صديقه المريض ونام الطبيب على السرير هادئا مستسلما وأخذ يتأمل أليست الحياه داخل العنبر مثل خارجه .. أليس الألم هو طريقنا الوحيد للخلاص.
وحين أظلم الليل أحس بوحشه ليته يستطيع ان يخرج لدقائق وطرق الباب ورجا الحارس ان يخرج قليلا ثم يعود.. قال له الحارس سيادتك تعلم ان الخروج ممنوع فثار الطبيب وقال لابد ان اخرج .. فعاجله الحارس بلكمه فى فكه وبركله فى. بطنه... فجرى إلى فراشه وهو يتلوى من الألم .. الألم إنه ألم المكان .. لقد عرف الألم الحقيقى لا ألم الفلاسفه ... إرتمى على سريره يبكى وظل يبكى حتى مات فى الصباح .. وكان الجنون والموت هو جزاؤه على الصدق ... لقد اراد ان يكون صادقا مع نفسه .. ان يعيش افكاره فدمره الصدق، لكنه لم يستطع تحمل الهوان لم يستطع تحمل الم المكان وذله ،
هناك نوعين من الالم .. ألم الرجال حين يصارعون الحياه فتصرعهم ...أو يخاطرون فى الحب والحرب فينهزمون .. ذلك هو الألم الشريف .
وهناك ألم الجسد ألم الضرب بالعصا والركل بالقدم .. ومهانة وإذلال الروح
هناك ألم عظيم وشريف وجميل ... وهناك ألم موجع وقاسى وتافه .