مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

سيد طنطاوي يكتب: حسن نصر الله.. مع «السيد» أنا أصدق الميدان

2024-10-07 11:45:30 -  تحديث:  2024-10-09 19:46:37 - 
سيد طنطاوي يكتب: حسن نصر الله.. مع «السيد» أنا أصدق الميدان
سيد طنطاوي
منبر

تظل أزمة الوصول إلى الكمال عند العرب، عائقًا في التقييم الموضوعي لأي شخصية، مع العلم أنه لا يوجد إجماع على الله (عز وجل) أو الأنبياء في أي مجتمع حتى العربي المؤمن.

من هنا يأتي الانقسام الذي حدث حول الشهيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الذي اغتالته يد إسرائيل الآثمة.

ووصفه بالشهيد ونعت يد إسرائيل بالآثمة ليست محاولة للوصول بالرجل إلى حد الكمال، لكن الكمال الحقيقي الذي يؤمن به كاتب هذه السطور هو رفض كل ما هو إسرائيلي، أي أنه الرفض الكامل لهذا الكيان دينيًا وسياسيًا وإنسانيًا وبراجماتيًا وأيدلوجيًا.

ومن هذا المنطلق فإن أي محاولة للتعامل العقلاني مع الكيان المُحتل، إنما كالرقص الوقح على السُلم، وأن قمة الاعتدال الإنساني هي التطرف في مواجهة كل ما هو صهيوني، مع ضرورة الإيمان المطلق بأن كل طلقة توجه صوبهم يجب أن تكون "مُقدرة".

تحديد المواقف هنا ضروري، بعد أن ظن كثيرون أن الثقافة هي الوقوف في الحياد أو منطقة (بين وبين)، وإطلاق التنظيرات التي لا تساوي حبة رمال في حذاء مقاوم، والقول الفصل هنا فللشهيد الثائر باسل الأعرج حينما قال: "بدك تصير مثقف، بدك تصير مثقف مشتبك، إذا ما بدك تكون مشتبك، لا منك ولا من ثقافتك، ولا في فايدة منك".

هؤلاء وضعوا أنفسهم متحدثين باسم العدو، ويتبنون وجهة نظره، عبر فلسفة الخيانة وقولبتها في قوالب لها تعبيرات مركبة، وقول مسجوع مرصع بالإفك والتدليس.

ربما كانت هذه المقدمة ضرورية، للحديث عن حسن نصر الله "أبو هادي"، الذي تحدث فعله عنه، وربما صِدق مواقفه كان سبب عدم ترك فرية يتخذها البعض للنيل منه، فلم يحابي القائد نجله (هادي) ليُبعده عن الميدان، بل وضع ابنه في المقدمة ليقدم ابنه شهيدًا بعد 5 سنوات من توليه قيادة حزب الله خلفًا لعباس الموسوي الذي استشهد أيضًا عام 1992.

لم يفت استشهاد الضنى في عضد السيد نصر الله، بل إن اللعب على هذا الوتر من بني صهيون حينما حاولوا مساومته على رفات نجله لم يجد طريقًا إلى قلبه، إذ أبى استلام رفاته في صفقة ظلامية، ولم يسترده إلا بصفقة شاملة للحزب بعد 7 سنوات من الواقعة.

وحتى حينما عاد الرفات، وقف أمام النعوش مؤبنًا إياها واحدًا تلو الآخر، فكل المقاومين في تلك اللحظة كانوا "هادي".

بديهي أن يكون نموذج «السيد» ملهمًا لجيل الشباب الذي أصبح اليوم في مرحلة العقدين الرابع والخامس، وهذا هو الجيل الذي تجرع مرارة نتائج أوسلو، وطُبعت على قلبه صورة محمد الدرة شهيدًا وغيرها.

هذا الجيل وجد شابًا يافعًا يقود المقاومة بعدما انخرط فيها لسنوات ليصل إلى سُدة قيادتها شابًا، فذاق معه حلاوة النصر في تحرير الجنوب اللبناني عام 2000.

وبعد مرارة حرب العراق التي جرحت قلب كل عربي، وجدنا ذاك الشاب الذي أصبح كهلًا يعطينا جرعة أمل حينما أدب إسرائيل في حرب تموز، أو حرب يوليو 2006، والتي أذاق فيها العدو ما يستحقه، واستقال على إثرها وزير الدفاع ورئيس أركان الاحتلال، مع العلم أنه خاض الحربين (تحرير الجنوب وتموز 2006)، وقتما حَكَمً خبراء عسكريون على قرار خوض هذه الحرب بالجنون، لكن الفتى كان أدرى بشعاب النصر وإن بعد.

فيما كان المنظرون على هذا البطل غارقين في وحل مسائل من نوعية متى يجوز الخروج على الحاكم، والإمام المتغلب بقوة السيف، والعدو القريب والبعيد، فيما كان هو يرفع شعار السيف أصدق أنباءً من الكتب/ في حدة الحد بين الجد واللعب.

وحتى بعد استشهاده تحول حديث هؤلاء إلى جدالٍ أحمق عن كونه شيعي، فيما عاش هو مقاومًا يرفع شعار: "أدين بدين المقاومة أنّ توجهت ركائبها ديني لنفسي ودين الناس للناس".

الآن ارتقى نصر الله، ومن قبله إسماعيل هنية، قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس السابق، وفؤاد شكر، ومن قبلهم أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، فيما لم تتوقف أقلام التنظير ولم يجف حبرها، والحقيقة أنه لن يجف، لكن هل هذا يعني الصمت عنه؟ الإجابة قطعًا لا، فلولا انتقاد هؤلاء والفطنة مبكرًا لما يرمون إليه لكان وضعهم مثل بني صهيون الذين يريدون احتلال كل شبرٍ عربي، والجيوش والمقاومة مانع حصين أمامها.

نهاية «نصر الله» تمناها أنبياء وصالحون، لكن الاحتفاء لا يُمكن أن يصل به إلى منزلة المنزة، فإن التقييم الموضوعي لشخصية المناضل هنا تستوجب أن نذكر أن كثير من الدماء السورية معلق في رقبته، لكن الشماتة في موته تجعل صاحبها إحدى مؤخرتين التصقتا في سروال صهيوني واحد.. حيا الله أبو هادي، وغفر له ذنب سوريا.

مساحة إعلانية