مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

حاجات في مذكرات.. ما الحياة إلا ملوخية قرديحي والنوم على الكرسي "2"

2025-07-05 20:23:36 - 
حاجات في مذكرات.. ما الحياة إلا ملوخية قرديحي والنوم على الكرسي "2"
إسحاق روحي - كاتب

"لابد لعلماء الطب دراسة الجسم البشري مرة أخرى" مقولة لفاطمة أوفقير في كتاب حدائق الملك.. أنصحك بقراءته. وأنا أقول نفس المقولة، والسبب أنك تستطيع أن تحيا سعيدًا بأقل القليل ما دمت بمفردك أو معك صديق مثل صديقي نبيل بقطر، وهو رفيق رحلة الدرب والكفاح.

في أول أسبوع لي في أسيوط للالتحاق بالجامعة، ذهبت لقصر الثقافة أنا وصديقي نبيل، وكان مقامًا به معرض للكتاب.. هذا الكلام من ٤٠ سنة بالتمام والكمال. فقمت بشراء كل الكتب التي أعرفها والتي لا أعرفها بكل ما معي أنا ونبيل من أموال، ولم يتبق سوى جنيه واحد للتاكسي، حيث كان الفرد بـ ٣٥ قرشًا. وبالطبع الكتب كانت كثيرة جدًا، منهم كتب موجودة حتى الآن في مكتبتي ولم أقرأها، مثل التاريخ السري لحرب فيتنام أو ثورة البلاشفة ١٩١٧-١٩٢٣. أذكر هذه الكتب كي أقول إنني اشتريت في كل المجالات وليس الأدب فقط.

ذهبت أنا ونبيل للشقة، وكأنه يوم عيد، ظللنا للصباح نفرز الكتب ونقرأ المقدمات. وفي الصباح قال نبيل: أطلع هات لنا فطار. فقلت له: أهدأ واسمعني، أنت معك كام؟ فقال: ولا مليم. قلت له: أنا معي خمسة جنيهات فقط، ومطلوب أن نحيا بها شهر كامل. فنظر لي كأنني مجنون. وقلت له: لن نتصل لا بأبي ولا بأبيك كي يرسلوا لنا فلوس، ولن نستلف من أحد. عاجبك تعيش الشهر معايا بالخمسة جنيه عاجبك مش عاجبك أخبط دماغك في الحيط!! فقال: طيب ازاي يعني؟ الفلوس حتولد؟ قلت له: أنا جايب ملوخية ناشفة، والخمسة جنيهات تأتي لنا بخمسمائة رغيف، يعني ممكن الواحد فينا يأكل أكثر من ٨ أرغفة في اليوم، وده يبقى تبذير. والحمد لله جايبين من البلد شاي تموين وسكر تموين وزيت تموين وسمن "نباتي".

ولأنه صديقي الوحيد المثقف في كل الشلة، وافق على ما قلته. وظللنا أكثر من ٣٥ يومًا لا نأكل سوى ملوخية ناشفة بالعيش الطازج. ومن يومها لابد أن أعمل حسابي في جزء من الفلوس أدخرها للطوارئ. وتعلمت ليس أي كتاب أشتريه، وتعلمت أيضًا أن الصديق اللي يصدق جنونك رزق.

القصة حين سمعها طبيب قال: ستصابان بأمراض لا علاج لها، فالجسم لم يدخله أي بروتين أو خضار أو فاكهة. والحمد لله صدق الجسد معنا وكذب الطبيب. نفس الموقف تكرر معي، ولكن بمفردي. ففي بداية حياتي الصحفية كان الراتب يكفي بالكاد الحياة تحت خط الفقر بشوية. وصممت أن أشتري كاسيت وكاميرا، وحين حسبتها اتضح لو دفعت كل ما أتقاضاه سأحتاج إلى ثمانية أشهر لشرائهما. وبعد دراسة جدوى قررت أن أشتريهما قسطًا على عام، واتفقت مع البائع ووافق وهذه أول مرة أشتري أي شيء قسط في حياتي وظللت أول 3 أشهر أحيا بـ ١٠٪ من المرتب الذي لا يكفي سوى حياة القحط.

ظللت ثلاثة أشهر لا آكل سوى رغيفين في اليوم وحبتين "قوطة" وقطعة جبنة بيضاء. كنت أشتري كيلو الطماطم وربع كيلو جبنة والعيش وأحيا الأسبوع كامل بهم. واستمر هذا الوضع ثلاثة أشهر كاملة لم آكل فيهم سوى هذه الوجبة فقط ...  لم أضع اللحوم في فمي أو الفاكهة أو أي
أي شيء مطلقاً.. وامعاناً في عدم الرجوع في قراري كنت أرفض كافة العزومات سواء من الاصدقاء أو الاقرباء وكنت وأنا"واخدها " سيرا علي الأقدام  من الشقة للجريدة أشم روائح الأكل ولكن دون أي تأثير وكنت مخطط أن يستمر هذا الوضع عام كامل إلا أنه بعد ثلاثة أشهر جاءني شغل ديسك وكمبيوتر وتضاعف المرتب مرتين وأيضاً حين سمع طبيب ممن كنت أجري معهم حوارات قال لي من يفعل ذلك ثق أنه لن يكمل عام وسيصاب بأمراض كارثية.. ومر العام تلو العام والحمد لله لم يحدث سوي شيء واحد أنه أصبح معي كاميرا وكاسيت وأصور وأسجل أي شيء لمن أحب- نعم جسدك يتحمل كل شيء فقط كن راضياً.
أخر موقف لي مع الصحة كان مع النوم وكنا قد نقلنا إلي المقر الجديد للنبأ في أبورواش وكانت عيناك لا تقع إلا علي اللون الأصفر فأنت لن تري سوي الصحراء الجرداء كنا نجهز لجريدة آخر خبر وهي جريدة يومية مع العدد الأسبوع للنبأ.. في هذه الفترة دخلت المقر ولم أخرج منه إلا بعد ثلاثة أشهر ونصف ولم أنم طوال هذه الفترة علي سرير فقد ظللت الفترة كلها أنام علي الكرسي فأجلس عليه وأضع رأسي علي المكتب وبالطبع هذا النوم غير المريح يكون متقطع فبمجرد أن يسير رجل الأمن في المكان بالطرقة تستيقظ وما أن تهل سيارات العمالة والصحفيين تستيقظ فأذكر في هذه الفترة لم أنم ثلاث ساعات متواصلة مطلقاً فهي ساعة أو ساعتين بالليل وباقي حظي من النوم أحصل عليه طوال اليوم علي المكتب بشكل متقطع ولكن كل التعب تلاشي تماماً مع دوران المطبعة ليخرج أول عدد من جريدة آخر خبر للنور طبعاً كان زملاء لي يباتوا في المقر ولكن أنا ضربت الرقم القياسي في عدم التمدد علي السرير أو رؤية الشارع لأكثر من مائة يوم.
وأذكر أن الكاتب الصحفي الكبير محمد عبدالسلام نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار ورئيس تحرير النبأ وقتها كتب عني في عاموده أنه كلما رآني يجدني نائم وأطلق عليَّ «أبوالنوم»رغم عدم نومي نوم طبيعي لأكثر من ١٠٠ يوم وقد استمر النوم المتقطع أيضا بعد  إصدار جريدة آخر خبر لأن الجريدة اليومية تحتاج عمل مستمر ولو لم تجد المطابع ما تطبعه تأكلك هكذا كان يقول لنا العملاق الاستاذ ممدوح مهران مؤسس النبأ والصحافة المستقلة في مصر. 
وأيضاً سألت طبيب علي أنها مشكلة أحد الأصدقاء فقال لي هذا سيسير خلال شهر علي عكاز لأنه سيصاب بالغضروف والفقرات وخلافه وبالفعل أصبت بهم ولكن بعد أن تركت النبأ بربع قرن وكذب الأطباء حتي لو شخصوا ...  جسدك يتحمل أكثر وأكثر

مساحة إعلانية