مساحة إعلانية
قالوا قديما " لولا النقد لهلك الناس ، ولطغَى الباطل على الحق ، ولامتطى الأراذل ظهور الأفاضل "
والشعر تشكيل جمالى باللغة ، وهو ما أطرب ، وهزّ النفوس ، و حرّك الطباع ، لذا فالحكم على جودته يكون بمقدار ما فى مضمونه من قِـيَـم ، وما فى صياغته من فن ، ومن المتفق عليه أن أفضل الشعر أقدره على استثارة المشاعر . .
والشاعرية هى ليست ترويض اللغة ، والقافية ، والتركيب ، و إعادة صياغة المعانى والصور القديمة
وهناك فرق كبير بين لغة الكلام العادى - الذى يرمى إلى نقل الأخبار - وبين لغة الشعر التى تصور الفكر ، لأن لغة الشعر يجب أن تكون أقدر على التصوير ، فالشاعر يقول شعرًا ، لا كلامًا ، والشاعر يوصّل مشاعر ، لا أفكار . . وهو يسعَى قبل كل شئ إلى الإمتاع ، وإثارة النشوة فى نفس السامع أو القارئ ، أما الشعر الذى لا نجد له صدًى داخلنا ، فهو شعر مردود ، وحينئذ لا يلومنّ الشاعر إلا نفسه . . فهناك ناس أتقنوا الوزن ، وأهملوا الشعر ، علما بأن الشاعر ليس صانع أوزان فحسب ، بل هو - فى الأساس - راسم صورة بالكلمات ، وبقدر ما تغيب الصورة عن الشعر ، يقترب الكلام من النثر، وإنما يُعدّ الشاعر شاعرا ، لا لأنه فكّر أو أحسّ ، ولكن لأنه عبّر ، فهو ليس مبدع أفكار ، وإنما هو مبدع كلمات
و الشعر وسيلة للإيحاء ، والأدب يصبح أدبا لطبيعة البناء ، لا بنوع المضمون ، فالهيكل -لا المضمون - هو الذى يعطى النص المكانة الأدبية المناسبة ، شرط ألا يكون هذا الهيكل فارغا ، إذ لابد أن يكون ممتلئا بمضمون ، فغياب المحتوى يؤدى إلى انحطاط المستوى ، ولا يظنّ ظانّ أن هندسة الشكل تصنع شعرا ، فذلك النظم ، ( ف " ألفية ابن مالك " فى النحو ، كان الغرض منها - فقط - تسهيل حفظ القواعد النحوية ).. !
أما الشعر ، فتجربة انفعالية ، لا تتحقق إلا بلغة خاصة ، و اللغة الشعرية مجاز ، أى جسر ننتقل به مما نعرفه إلى مالا نعرفه .. و تظلّ أصالة الشعر فى التعبير بالصورة ، فالصورة هى التى تميّز الشعر عن النثر ، والشعر لا ينبع من العقل والفكر ، بل من خفقات المشاعر وخلجات القلب ، أى هو نابع من الإحساس والشعور ، لذا فهو يحلّق بعيدا فى سماء الخيال ، وأفضل الشعر أقدره على استثارة المشاعر ، لذا فهو لا يُصنع من الأفكار ، ولكن من الكلمات ، و فى القدرة على استعمال اللغة ، و كيفية تشكيلها ، وتتجلّى قدرة الشاعر الإبداعية فى إيجابية ألفاظه ، وقدرته على تصوير الحدث فى كلمات موجزة ، تشعّ بالحركة والحيوية ، إذ ليست اللغة - فى الشعر - أداة لنقل معانٍ محدّدة
والشعر هو التعبير الجميل عن الشعور الصادق ( نعم ، فهناك شعور صادق ، و شعور زائف . . الأول وليد تجربة ومعاناة ، أما الآخر فصدى التقليد و المحاكاة، والفرق بين الاثنين ، هو فرق ما بين الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع )
و أنا - كمتلقّ - مع الشعر الذى يقال بالسليقة ، والذى لا تحسّ فيه بالتكلف ، وبدعة التصنع والحذلقة ، وإضافة الاستعارات والمجازات ، إلى ما ليس يستحق . . وإن أصدق الشعر - فى ظنى - هو ما ينمّ عن عاطفة صقلتها الموهبة ، وغذّتها المشاعر ، وعمّقتها الثقافة ، وأضرمتها الأحداث ، وطوّرتها التجارب ..
يتبع .. في الحلقة القادمة