مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..!

2024-12-02 02:26:02 -  تحديث:  2024-12-08 03:12:37 - 
الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..!
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

قالوا قديما  " لولا النقد لهلك الناس ،  ولطغَى الباطل على الحق ، ولامتطى الأراذل ظهور  الأفاضل "
والشعر تشكيل جمالى باللغة ، وهو ما أطرب ، وهزّ النفوس ، و حرّك الطباع ، لذا فالحكم على جودته يكون بمقدار ما فى مضمونه من قِـيَـم ، وما فى صياغته من فن ، ومن المتفق عليه أن أفضل الشعر أقدره على استثارة المشاعر . .
والشاعرية  هى ليست  ترويض اللغة ، والقافية ، والتركيب ، و إعادة صياغة المعانى والصور القديمة 
 وهناك فرق كبير بين لغة الكلام  العادى - الذى يرمى إلى نقل الأخبار -  وبين لغة الشعر التى تصور الفكر ، لأن لغة الشعر يجب أن تكون  أقدر على التصوير ، فالشاعر يقول شعرًا ، لا كلامًا ، والشاعر يوصّل مشاعر ، لا أفكار  . . وهو يسعَى قبل كل شئ إلى الإمتاع ، وإثارة النشوة فى نفس السامع أو القارئ ،  أما الشعر الذى لا نجد له صدًى  داخلنا ، فهو شعر مردود ، وحينئذ  لا يلومنّ الشاعر إلا نفسه  . . فهناك ناس  أتقنوا الوزن ، وأهملوا الشعر ، علما بأن الشاعر  ليس صانع أوزان فحسب ، بل هو  - فى الأساس -  راسم  صورة بالكلمات ، وبقدر ما تغيب الصورة عن الشعر ، يقترب الكلام من النثر، وإنما يُعدّ الشاعر شاعرا ، لا لأنه فكّر أو أحسّ ، ولكن لأنه عبّر ، فهو ليس مبدع أفكار ، وإنما هو مبدع كلمات  
و الشعر وسيلة للإيحاء ، والأدب يصبح أدبا لطبيعة البناء ، لا  بنوع المضمون ، فالهيكل -لا المضمون - هو الذى يعطى النص المكانة الأدبية المناسبة ، شرط ألا يكون هذا الهيكل فارغا ، إذ لابد أن يكون ممتلئا بمضمون ، فغياب المحتوى  يؤدى إلى انحطاط المستوى ، ولا يظنّ ظانّ أن هندسة الشكل تصنع شعرا ، فذلك النظم  ، ( ف  " ألفية  ابن مالك "  فى النحو ، كان الغرض منها - فقط - تسهيل حفظ القواعد النحوية ).. !
أما  الشعر ، فتجربة انفعالية ، لا تتحقق إلا بلغة خاصة ، و اللغة الشعرية  مجاز ، أى جسر ننتقل به مما نعرفه إلى مالا نعرفه .. و تظلّ أصالة الشعر فى التعبير بالصورة ، فالصورة هى التى تميّز الشعر عن النثر ، والشعر لا ينبع من العقل والفكر ، بل من خفقات المشاعر وخلجات القلب ، أى هو نابع من الإحساس والشعور ، لذا فهو يحلّق بعيدا فى سماء الخيال ، وأفضل الشعر أقدره على استثارة المشاعر ، لذا فهو لا يُصنع من الأفكار ، ولكن من الكلمات ، و فى القدرة على استعمال اللغة ، و كيفية تشكيلها ، وتتجلّى قدرة الشاعر الإبداعية فى إيجابية ألفاظه ، وقدرته على تصوير الحدث فى كلمات موجزة ، تشعّ  بالحركة والحيوية ، إذ ليست اللغة -  فى الشعر - أداة لنقل معانٍ محدّدة 
والشعر هو التعبير الجميل عن  الشعور الصادق ( نعم ، فهناك شعور صادق ، و شعور  زائف . .  الأول  وليد تجربة ومعاناة ، أما الآخر  فصدى التقليد و المحاكاة،   والفرق بين الاثنين ، هو فرق ما بين  الشاعر المطبوع والشاعر المصنوع )
و أنا - كمتلقّ -  مع الشعر الذى يقال بالسليقة ، والذى لا تحسّ فيه  بالتكلف ، وبدعة التصنع والحذلقة ، وإضافة الاستعارات  والمجازات ، إلى ما ليس يستحق . . وإن أصدق الشعر - فى ظنى - هو  ما ينمّ عن عاطفة صقلتها الموهبة ،  وغذّتها المشاعر ، وعمّقتها الثقافة ، وأضرمتها الأحداث ، وطوّرتها التجارب ..

يتبع .. في الحلقة القادمة

مساحة إعلانية