مساحة إعلانية
يبدو هذا العنوان صادما لأول نظرة ، لكنك إذا فكرت قليلا ، وصدقت مع نفسك قليلا ، وتخلصت من الغرور والاستكبار اللذين يتحلى بهما ( المتعالمون ) وإخوانهم ( المتعلمنون ) فسوف تتقبل هذا العنوان قبولا حسنا . فالذي لا شك فيه أن ما وصلت إليه البشرية من منجزات علمية وتقنية يصعب جدا الفصل فيه بين ما جاء نتاجا للبحث العلمي المجرد عن الهوى ، والبحث العلميّ الموجَّه استخباراتيا ، فالحكومات التي تموّل مؤسسات البحث العلمي تسعى لفرض نفوذها السياسي والعسكري ، والشركات الصناعية التي تموّل مؤسسات البحث العلمي تسعى لفرض نفوذها الاقتصادي ، ومؤسسات التسويق التي تموّل مؤسسات البحث العلمي تسعى لفرض نفوذها الترويجي الساعي للربح . وكل ذلك يتم – غالبا – بمنأى عن أية مظلة أخلاقية . وهذا كله يجعل من العلم سلعة بخسة الثمن.
وإذا كان أحد يشكك فيما سبق فليجبني : ما مصادر الفكر الأخلاقي في الغرب ؟ أهي عباءة ( المحبة ) التي كان يتدثر بها قادة الحروب الصليبية وهم يجتاحون بلادا تبعد آلاف الأميال عن بلادهم ولا تهدد أمنهم ولا ثرواتهم في العصور الوسطى؟
أم هي الأخلاق المبنية على قانون " التطور العام " بما يقوم عليه هذا القانون من مبادئ الصراع والتكيف والبقاء للأصلح عند الفيلسوف الإنجليزي الشهير هربرت سبنسر ؟
أم هي الأخلاق المبنية على العنصرية التي تبناها الفيلسوف الألماني الشهير فردريك نيتشه وقدمها باسم السوبرمان في كتابه " هكذا تكلم زرادشت " قائلا :
(ما هو الخير ؟ إنه كل ما يزيد في الإنسان شعور القوة ورغبة القوة ،!! ما هو الشر ؟ هو كل ما يأتي من الضعف . ما هي السعادة ؟ هي الشعور بأن قوتنا تنمو )
إن طموح الغرب – وبخاصة الولايات المتحدة الأميريكية - إلى القوة والسيطرة ، أمر لا يخجلون من التباهي به وإعلانه في كل مناسبة ، وهم في سبيل ذلك لا يعرفون لا للعلم ولا للاقتصاد ولا للإعلام أخلاقا ولا قيما إنسانية . كل ما يفهمونه هو القوة – القوة وحدها – كما قال نيتشه سواء أكانت عسكرية أم اقتصادية أم تسويقية . والدليل على ذلك أنهم لبثوا قرونا لا يسمعون للعرب صوتا حتى دوَّت انفجارات تنظيم القاعدة – الأحمق – في بلادهم فانزعجوا وهاجوا وماجوا وبدأوا يتخبطون في ردود أفعالهم ، غير قادرين على التمييز بين صحيح الإسلام وباطل ما تتبناه القاعدة . لكنها طبيعتهم : استخدام القوة وحدها هو الذي يحركهم.
وانظر إلى إسرائيل تجد كل الساسة الصهاينة يبنون مجدهم السياسي والحزبي على حساب العرب وضربهم ...فمعيار قوة ووطنية أي سياسي وقائد صهيوني تكمن في مدى عدائه للعربي وتنكره للحق الفلسطيني.. فرئيس الوزراء الهالك (رابين ) اعتبروه ملكا لإسرائيل لأنه انتهج سياسة تكسير العظام إبان الانتفاضة الأولى .. واللعين (شارون )استمد قوته وجبروته من مجزرة صبرا وشاتيلا و(ليبرمان) وسّع شعبيته لأنه ينتهج التطرف وينادي بترحيل العرب من أرض فلسطين .
وهل ينسى القارئ الكريم ما حدث في مولد ( انفلونزا الخنازير ) ؟ فبعد الأزمة المالية الأخيرة جن جنون الاقتصاد الغربي ، فقامت شركات"الأدوية بتطوير الفيروسات وإجراء البحوث عليها ، في دول نائية كأميركا الجنوبية ودول أفريقيا,وتجربة أمصال للوقاية منها بغرض تعويض خسائرها بأسرع ما يمكن .
ويتذكر القارئ المتابع قصة الجمرة الخبيثة ( الإنثراكس ) التي راجت خلال الغزو الأميريكي للعراق 2003 بما أكد أن شركات الأدوية – المملوكة لكبار الساسة كرامسفيلد وتشيني آنذاك - هي السبب الأول لإنتاج الأمراض باستحداث فيروسات عبر الهندسة الوراثية ، ثم اختراع أمصال للوقاية منها .
وقد قيل إن الهند توصلت إلى دواء يكافح فيروس الإيدز وإن الصين اكتشفت أخيراً مصلا مضادا لفيروس الخنازير H1N1""، ولكنهما لم تتمكنا من تسويق منتجيهما لأن القوة التسويقية المهيمنة على معظم دول العالم أميريكية/ أوروبية .
إن التقدم المطّرد في الأسلحة البيولوجية والكيميائية ، وفي التجارة الحرام القائمة على مثل هذا اللون من الكسب تؤكد بوضوح خطأ رؤية الزعيم الهندي نهرو (ت 1964) الذي كان يرى أن " العلم – وحده - هو القادر على حل مشكلات الفقر والجوع والجعل والمرض والخرافات والعادات والتقاليد البالية والثروات الهائلة الآيلة إلى النضوب ، والبلدان الغنية التي تتضور شعوبها جوعا ..." .
أظن أن نهرو العظيم لو عاش حتى وقتنا الراهن وسمع بحكاية انفلونزا الخنازير – المعروف فيروسها من عام 1996 والذي يقل ضحاياه عالميا عن ضحايا الانفلونزا العادية الموسمية طبقا للإحصاءات الطبية المنشورة – وارتباط قصتها بالأزمة المالية العالمية لترك ديانته الهندوسية ، وأكد أن العلم – وحده – لا يمثل إلا سلعة رخيصة بدون أن يتسيج بالأخلاق الكريمة ، ولردد قول حافظ ابراهيم رحمه الله :
والعلم إن لم تكتنفه شمائل .......تُعليه ، كان مطية الإخفاق .