مساحة إعلانية
فن " الكان و كان" هو أحد الفنون القولية الملحونة ، و مولدُه في العراق ، فمخترعوه هم البغداديون - حسبماجاء في كتاب (العاطل الحالي والمرخص الغالي ) للشيخ الإمام الشاعر "صفي الدين الحلي " وغيره من المصادر المهتمة بهذه الفنون القولية الملحونة، وكان هذا الفن قد ظهر في القرن الخامس الهجري، وشاع بعد ذلك حيث تداوله الناس في شتي البلدان ..
أما سبب التسمية فيعود إلي أنهم أول ما اخترعوه ، لم ينظموا فيه سوي الحكايات والخرافات ، ولأنهم كانوا يقولون في حكاياتهم "كان وكان"، للدلالة على أنها روايات لا أصل لها ولا سند ، أي أن من يقولونه كانوا يحكون من خلاله ما كان وكان ..
ثم كثر، واتسع طريق النظم فيه ، فظهر أمثال العلّامة جمال الدين بن الجوزي، وشمس الدين بن الكوفي الواعظ ، فنظموا فيه المواعظ والزهديات ، والحكم والأمثال، فتداولها الناس، وصارت إلي الآن تستحضر في المذاكرات ..
ثم انتقل(الكان وكان ) إلي مصر ، وسمي بـ "الزكالشي" ، ولكن العراقيون يسمونه ( الكان وكان ) وأما في الشام فلم يشِعْ كثيرا ..
أما طريقة نظم هذا اللون الشعري ، فهو ذو وزن واحد، و أيضا له قافية واحدة، ولا تكون قافيته إلا مردفة قبل حرف الرويّ بأحد حروف العِلّة (الردف هذا يعنى أن حرف الرويّ يكون مسبوقا بأحد حروف العلة الثلاثة التي تجمعها كلمة : "واى" )، و صفيّ الدين الحلّي لا يشير إلى الشكل التربيعي في هذا الفن ، بل هو يعتبر أن القفلين الأول والثاني (المكونين للبيت الأول) - في المربع الأصلي - شطرًا ، والقفلين الثالث والرابع (المكونين للبيت الثاني) شطرًا، ليكوّنا بيتا شعريا واحدا ، حتي يتسنّي للدارس أن يلاحظ القافية المردفة ، ويكمل " الحلّي "- من هذا المنطلق - بقوله : ولكن الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني ، علي أساس أن الأشطر الأربعة أصبحت شطرين فقط
والوزن المستخدم في هذا الفن هو :
(مستفعلُن فاعلاتُن مستفعلن فاعلاتن
مستفعلن فاعلاتن مستفعلن فـعْلان)
و عوْ داً إلى هذا الوزن ، يذكر "د. كامل مصطفي الشبيبي" أن هذا الفن من الشعر الملحون ينظم بأربعة أقفال مختلفة، ويكون القفل الأخير منه ( أى الرابع) مردفاً بحرف علّة ، وتسمي الأقفال الأربعة ، بيتاً، حيث يمكن للشاعر نظم أبيات عدة علي قافية الرابع ، ومنه ما قاله شمس الدين الكوفي (ت 675 هجرية) في كتاب الكشكول لبهاء الدين العامل :
إلي من غـفَل وتـوانَــي . . الركْـب فاتَـك صحْـبُــه
وفي الـدُّجَي حدَا بيهم . . الحــادي و حَـثّ النُّوق
حُـثّ المطـايـا لعــلّـك . . بمَـن تــقَـدّم تَــلْـحَـــق
من لا يحث المـطـايـا . . ما يُـبْصِـــر المَـعـشُـــوق
نري - هنا - حرف الرويّ هو " القاف " و رِدْفُه حرف "الواو" ..
وقال صفيّ الدين الحلي في كتاب (العاطل الحالي والمرخص الغالي )- وقد جعل الرباعي في
شكل البيت الشعري الواحد، دامجاً القفلين الأول والثاني في شطر واحد، وكذلك القفلين الثالث والرابع في شطر واحد:
قـد خـــبّروني وقالـوا . . عَـينيْ حبـــيبــك توجَــعُه
قلت : الضريبة تؤثّــر . . في الـصّــارم الصّــمْــصام
قالوا : سهر من ألمْها . . قلت : الطــبيـعة مكافْـــيَـة
يا طــالمــا خــلاّنــي . . فــي اللـــيل لــيْس أنـــام
وهنا حرف الرويّ هو " الميم" ، وردفه هو "الألف اللينة"