مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

قراءة تحليلية : الذرائعية .. جمالية الحضور ورمزية الغياب في قصص عصام مهران

2024-07-06 22:24:37 -  تحديث:  2024-07-06 22:40:00 - 
قراءة تحليلية : الذرائعية .. جمالية الحضور ورمزية الغياب في قصص عصام مهران
شعبان المنفلوطي

قصص (الرجل ذو الخياشيم-عرائس العم علي- تاج الكوكب) 

 دراسة بقلم :شعبان المنفلوطي

أدب الطفل 
الأدب الموجه للطفل - المؤلفين ، الأطفال أنفسهم-  هو نتاج أدبي يراعي فيه الكاتب الخصائص اللغوية والنفسية والعقلية للطفل ممثلا في الاشكال الأدبية المختلفة – قصة – مسرح – رواية –شعر والتي تتسم بلغة بسيطة تناسب قاموس الطفل وأسلوبه ، ومناسبة لحاجات الطفولة وما يتصل بها من قضايا مثل التذوق ، الأختيار ، القيم ..الخ  
أهداف أدب الطفل 


لنتمكن من فهم جدوي الكتابة للطفل علينا أن يكون لدينا إجابة عن سؤال :
لماذا نكتب للطفل ؟ ونستطيع أن نتوصل معا لعدد من الأهداف الواضحة منها 
• صقل سلوك الطفل وتربيته تربية أخلاقية ، من خلال بعض القيم الإيجابية والرسائل التي يتم تضمينها أدب الطفل .
•  تخليص الطفل من الانفعالات والاتجاهات الضارة غير المرغوبة .
•  تعريف الطفل بمجتمعه ، وغرس قيم حب الوطن والتعاون والتضامن .
•  تنمية شخصية الطفل وبنائها جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا ولغويا، إضافة إلى إكساب الطفل مهارات التعبير والنقد وحل المشكلات . 
• اكتشاف المواهب الإبداعية لدي الطفل وتنميتها .
• تنمية الشعور بالأمن والاستقرار..
 قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عدد الأطفال في مصر عام 2022 بـ 41.5 مليون ، هذا الرقم يحتاج إلى اهتمام بما يقدم لهم من أدب يرتقي بهم ويعكس قضاياهم ويكون له دورا في تنشئتهم على النحو الأمثل.
قال توفيق الحكيم عن الكتابة للأطفال "إن البساطة أصعب من التعمّق، وإنه لمن السهل أن أكتب وأن أتكلم كلاماً عميقاً، ولكن من الصعب أن أنتقي وأتخير الأسلوب السهل الذي يُشعر السامع بأنني جليس معه ولست معلماً له، فكاتب الأطفال يحسب لكل جملة بل لكل كلمة حسابها، إذ لا بدّ أن تكون كلماته متناسبة مع قدرات الطفل، مع حاجاته، مع قاموسه اللغوي، مع ثقافته، مع بيئته التي ينتمي إليها"
اشكاليات إنتاج أدب الطفل
 -تقول كاتبة الأطفال رانيا حسين أمين إن "واقع الأعمال الموجهة للأطفال حالياً أفضل بكثير من أوقات سابقة فهناك عدد أكبر من الكتاب والرسامين، كما أن هناك تطوّراً كبيراً في شكل إخراج الكتاب أو القصة بجودة عالية ومبهرة ، لكن تبقى المشكلة في جانبين الأول الارتفاع الكبير في السعر نتيجة للتكلفة العالية التي تتطلبها كتب الأطفال .
-الثاني أن كثيراً من دور النشر تجعل كتب الكبار هي الأولوية وتنشر بشكل محدود جداً فيما يتعلق بكتب الأطفال، وعلى رغم انتشار فكرة النشر الإلكتروني حالياً والتي اعتمدتها كثير من دور النشر، إلا أنها محدودة بالنسبة لكتب الأطفال لأن العائد يكون محدوداً باعتبار أن كتاب الأطفال تحديداً تكلفته تكون عالية".
يقول محمود حسن إسماعيل، أستاذ الإعلام وثقافة الطفل بجامعة عين شمس "يعاني أدب الطفل في مصر حالياً من مشكلات كثيرة، فعلى رغم وجود بعض المؤسسات الرسمية المعنية بأدب الأطفال مثل مركز بحوث وتوثيق أدب الأطفال وبعض اللجان بالمجلس الأعلى للثقافة وغيرها، إلا أن الكم المنتج للأطفال قليل جداً مقارنة بعدد الأطفال في المجتمع المصري.
يضاف إليه اليوم تحدي آخر، إذ لم يعد الطفل الذي لديه ستة أعوام اليوم بوعي أقرانه حين انتهت الألفية السابقة.
 الطفرة الحادثة في وسائل التواصل وما لازمها من تغيرات تقنية وطرق الوصول إلى المعلومة ؛ فتحت له مصادر لتلقي المعرفة على اتساعها أمامه، وهو ما خلق حالة من العشوائية في المعرفة لديه، الأمر الذي لم تستطع معه دور النشر والمعنيون بالكتابة للطفل .
وتضيف "موضوعات كتب الأطفال تحتاج إلى تجديد لتتلاءم مع واقع الطفل وتواكب حاجاته وفي الوقت ذاته لا بد من الاهتمام بوجود كتب لكافة المراحل العمرية، فهناك وفرة في الكتب الموجهة للفئات الصغيرة، بينما الكتب الموجهة لليافعين هي أقل بكثير، ولا يوجد اهتمام كافٍ بها بالرغم من أهمية هذه المرحلة وحاجتها ". أدب الأطفال لا يمكن له التطور في غياب التوجيه والنقد والدراسات النفسية والسيكولوجية المتخصصة.
مفهوم الذرائعية وتعريفها 
 تقول الناقدة السورية عبير يحيى – وأنا أتفق معها -  أنَّ الذرائعية لغة رسمية لأدب رسالي ايجابي الاتجاه يحمل بين طياته الفضيلة والحكمة والموعظة والاخلاق والمثل العليا وتتكئ الذرائعية علي استلهام التراث.
الذرائعية ،جمالية الحضور ورمزية الغياب


*قصة الرجل ذو الخياشيم 
ومنذ المطالعة الأولي لقصة الرجل ذو الخياشيم  نرصد حضور القيم الانسانية بشكل مستتر مغلف بحدوتة ذات أبعاد جمالية ورمزية متعددة وللوقوف علي هذه الابعاد نعرض هذا المقطع من القصة :
"كنت في السابق أقول لتلاميذي: لا تلوثوا ماء النهر، كنت كغيري أظن أن المحافظة على نظافة الماء ستحمينا من الأمراض المتوطنة التي أهلكت نصف سكان قريتنا، لكن الآن أدرك أن النظافة لازمة للحفاظ على هذه الأسرار والأحلام الطيبة نلاحظ الرسالة الإيجابية التي يضمنها الكاتب ونلاحظ  أيضا أن اللغة وصفية  تعبر عما تعانيه شخصية -الرجل ذو الخياشيم –  من الحيرة والقلق والتوتر والرغبة في ارتياد أماكن عدة لكن لم نستشرف المعاناة التي جعلت هذه الشخصية تنتقل من مكان إلي آخر وربما يكون هذا مأخذ علي القصة التي  تكاد تخلو من المعاناة لكن علي المستوي الرمزي تفرد مساحة من التأويل لجدوي غياب الرجل ذو الخياشيم ، هناك في النهر ، البحر ، حمام السباحة ، هذا الغياب يماثله في التراث الشعبي "المسحور قاهر الأطفال الصغار الذي يوصمونه دائما بأنه السبب في غرق فلان أو فلانة وتأتي رمزية الغياب أيضا مع سحر الزميلة بالمدرسة والتي يستلهم الكاتب قصتها من جنيات البحر وعرائسه حيث يتحول الرجل ذوي الخياشيم – المسحور والسيدة ذو الخياشيم عروس البحر إلي معلم ومعلمة بالمدرسة لينتقل بنا الكاتب بشل يحمل الكثير من الإدهاش عندما يسقط شبكة الصياد ليعيدهما من جديد إلي الحياة الطبيعية يعلَّمان الأطفال بالغناء والرقص .
في قصة عرائس الجد علي قيمة الإنسانية والرحمة والحب ، حين يقوم الجد علي بمعالجة المشكلات التي تواجه الصغار بالابتسام ونلاحظ هنا القيمة الجمالية  للغة وانتقاء الكاتب جمله بسلاسة ويسر وتناغم معبراً عن فرحة الأطفال بملابس العيد وسعادة عرائس الجد علي هذا الملاك الذي يحمل عصا سحرية لتلبية متطلبات ورغبات البنات الصغيرات..
وظيفة اللغة كوعاء حامل للجمال 
نلاحظ جمال اللغة في هذا المقطع من قصة الرجل ذو الخياشيم  عندما يصف سحر"لا يشغلها كثيرا متاعب الحياة مثل زملائها، كانت قادرة عى تجاوز ذلك كله بالسمو الروحي و العمل المخلص مع الأطفال، كانت ترى أن الحياة سهلة جدا عندما نقابلها بابتسامة طفل وسماء ملونة وزخات من المطر المختلط بقوس قزح، كل ذلك جعلها سخرية من ذوي الأنوف الوسيمة"
نقول أن لغة الكاتب  لم تأت اعتباطاً بل هي إنعكاس لمعرفة عميقة بأسلوب وموضوعات وفكر الكتابة للأطفال واطلاعه على التراث والموروث الشعبي  كما أن الكاتب يغيب ذوي الأنوف الوسيمة ويغيب أنفه التي لا تهوي أن تندس بين الأشياء وهنا يبعد فكرة ملاحقة الناس بعضهم لبعض بسبب وبدون سبب بإشارات مسترة يضمنها متن القصة..   
وفي قصة عرائس العم علي "ندى تحب النهار وتحلم أن يأتي الصباح ومعه أبوها والعصافير التي وعدها"،" كانت كل عرائس العرض يبتسمن له في سرور وسعادة – يقصد عودة الجد علي للمعرض - مرحبات بعودته ، ضحك كثيرا وتعافى الجد من السعادة والفرح، قال لهن: كنت أعرف أنَّ البنات يعتمد عليهن؛ حتى لو كن عرائس متجر، البنات حبيبات الآباء لقد وضعته خصيصا - يقصد الفستان - هنا وكنت أشعر أنك ِ ستأتين وتقفين أمامه وأعرف حبك للبراح والبحر والفراشات .. رحم الله أباك.
أمَّا عن الزمان فهو الفضاء الرحب الذي تتحرك فيه حكاية الأطفال ويتحرك فيه الكاتب بحرية عن طريق تغييب الزمن المتعمد فيما عدا القليل من الإشارات في الرجل ذو الخياشيم ونهارات عرائس العم علي ، فالزمن المناسب من وجهة نظرنا هو الحاضر والذي لابد أن تكون لديه الغلبة علي زمن القصة .. ونراه قد تحقق من خلال ضمير المتكلم الذي أعتمده الكاتب في سرد حكايته .. وفي الرواية بضمير المخاطب في عرائس العم علي .
الزمن الظاهر لم يتم الإشارة إليه إلا في بعض نقاط بسيطة في قصة الرجل ذو الخياشيم "ذات مساء "في بداية القصة " ومرت الدقائق يزداد الإختناق" وفي قصة عرائس العم علي : العام الماضي – ذات مساء – النهار ..الخ 
الزمن نستشفه من خلال السرد الظاهر في القصة لكن يوجد زمن موازي نستشعره من خلال تعدد الأماكن وحركة البطل في البحر والنهر وحمام السباحة وحوض الاستحمام ..والرحيل إلي المصب ..الخ  وهذا يعطي للحكاية عمقها ومقبوليتها لدى الطفل وخياله والتوافق مع مضمونها من باب القناعة والمعرفة والادراك , أمَّا في الأدب الموجه للكبار يكون الزمن نسبياً وذا مرونة وخيال وتحرك سريع ومفاجئ من خلال قطع الاحداث وعودتها الى الماضي وكذلك الحال بالنسبة للمستقبل … لكن مفهوم الزمن في أدب الأطفال مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعقلية الطفل وقدرته التقبلية وكذلك بمعرفته ومتابعته للأحداث وفي حالة وجود أي اختلاف عنده فأنه سرعان ما يترك القصة او الحكاية لأنه لا يستطيع متابعة احداثها بشكل صحيح , فالزمن في تقسيمه المعروف هو الماضي الذي حدث وانقضى والحاضر الذي نعيش احداثه والمستقبل  (المضارع) الذي لم يأت إلي الآن .اثناء عرض الحكاية وتناولها يكون الحاضر هو الزمن المسيطر ووعاء الاحداث , فالطفل سريع الملل وسريع المتابعة ويجد نفسه متعباً في تحليل الأحداث الزمنية ومتابعتها وتحديد عوامل الربط , لأنه يحب ان يتعامل مع زمن الحكاية بشكل تسلسلي ومقبول, والأحداث متتابعة ومقبولة.
أمَّا في قصة تاج الكوكب  , حيث يوجه إلي  الفئات الاكثر تقدماً من النواحي العمرية ، من 12 إلي 15 سنة نلاحظ في هذه المرحلة قدرة الطفل على التحليق مع الكاتب في معرفة وتذوق وتقبل النص الخيالي ، وقصة تاج الكوكب تحكي الصراع الذي يدور بين الكواكب في المجموعة الشمسية للحصول علي تاج الكوكب وهنا الكاتب يمد جسور التواصل مع الطفل حتى يوصل إليه ما يريد من أفكار وقيم ومفاهيم ومبادئ معرفية تحت مظلة الجمال والخيال كما نلاحظ أن الأديب أستعان بالأحداث والوقائع التاريخية الواقعية  لبناء نص أدبي للأطفال مستلهماً الخيال العلمي إطارا واسلوباً للنص ونري أنَّ الكاتب - لم يوفق إلي حد ما -  في خلق جو من الإقناع المقبول لدى الطفل من المزاوجة بين الحقيقة والخيال بالحوار الدائر بين الكواكب  بعضها البعض كأشخاص واقعيين وافتراضيين وهنا يتحتم على الأديب ان يكون حذراً في بناء النص وفي تحريك شخوصه وفي إيصال الحدث الى غايته .
النص بشكل مباشر جاف ، يؤثر على تردي صورة ذلك الرمز البطل المعروف ويقلل من قيمته من خلال تسطيح اللغة الفنية مما قلل من مصداقية مدلولات العناصر الفنية للقصة  في تاج الكوكب ويتضح اهتزاز مصداقية الزمان والمكان ، والاقناع في الطرح وتسلسل الاحداث .الملائمة بين الشخوص والاحداث ونلاحظ أن هناك فجوة في التطابق بين  المعرفة والواقع المقبول .
• أسيوط في 21 فبراير 2024م

مساحة إعلانية