مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

صابر سكر يكتب : إثيوبيا تُصعّد ومصر تصمت

2025-12-04 11:25 AM - 
صابر سكر يكتب : إثيوبيا تُصعّد ومصر  تصمت
صابر سكر
منبر

في وقت تُطلق فيه إثيوبيا تصريحات حادة تنتقد فيها الموقف المصري من سد النهضة، تلتزم القاهرة صمتاً هادئاً يحمل في طياته رسائل قوة وحكمة. هذا التصعيد الإثيوبي لا يعكس فقط أزمة داخلية متصاعدة، بل يدفع بملف مياه النيل إلى مرحلة أكثر خطورة، حيث تتقاطع المصالح الوطنية مع قواعد القانون الدولي ومتطلبات الاستقرار الإقليمي.

الخلفية: تصعيد لفظي أم أزمة داخلية؟
لم يكن البيان الإثيوبي الأخير مجرد رد فعل عابر، بل يعكس حالة من الارتباك الداخلي مع اقتراب لحظة الحقيقة في مفاوضات سد النهضة. فإثيوبيا، التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة، تحاول تصدير أزماتها عبر خطاب يحمل تهم "احتكار المياه" و"عقلية الماضي". لكنه يتجاهل حقيقة أساسية: مصر لم تغلق باب التفاوض، ولم تتجاوز الإطار القانوني الدولي، بينما سارت أديس أبابا في طريق منفرد، متجاهلة مبدأ "عدم الإضرار" الذي يحكم التعامل مع الأنهار العابرة للحدود.

الماء: قضية وجود وليست تفاوضاً
تتحدث إثيوبيا عن "حقائق القرن الحادي والعشرين" وكأن القوانين الدولية قابلة للتعديل وفقاً للرغبات السياسية. لكن الأمن المائي لمصر ليس تفصيلاً ثانوياً؛ فهو يشبه الهواء والغذاء – شرط بقاء. ومع ذلك، ظل الموقف المصري متزناً، يعتمد على الحوار والدبلوماسية والقوة الهادئة التي لا تحتاج إلى صخب. فالقاهرة تدرك أن استقرار المنطقة لا يُبنى بالتصعيد، وأن صمتها في كثير من الأحيان يكون أبلغ من أي كلام.

السياق الاقتصادي والإقليمي
يأتي التصعيد الإثيوبي في لحظة حرجة اقتصادياً، حيث تعاني أديس أبابا من أزمات مالية واضطرابات داخلية. ومن هنا يُفسر خطاب "الهيمنة" و"التبعية" كمحاولة لتحويل الانتباه الداخلي وخلق عدو خارجي. لكن هذه اللغة لا تخدم الاستقرار الإقليمي، ولا تحفظ حقوق الدول المتشاركة في النهر. فالسدود الكبرى – إذا لم تُدار باتفاقيات عادلة – يمكن أن تُحوّل النهر من مصدر حياة إلى بذرة صراع طويل.

الدور الدولي والموقف المصري الثابت
يدرك المجتمع الدولي أن مصر لا تعترض على تنمية إثيوبيا، بل تطالب بأن تتم في إطار اتفاق يحفظ حقوق جميع الأطراف. لذلك تتعامل العواصم الكبرى بحذر مع التصريحات الإثيوبية، خاصة أنها تتناقض مع التزامات سابقة، آخرها "إعلان المبادئ" 2015. ومصر، كدولة مصب تعتمد على النيل بنسبة تكاد تكون كاملة، ترفض أن يتحول النهر إلى ورقة ضغط أو أداة سياسة.

 صمت القوة ودبلوماسية الظل الثقيل
نري أن القاهرة تختار الهدوء، لكنه هدوء الواثق بقوته وبحقه. وتختار الدبلوماسية، لكنها دبلوماسية تحمل وراءها ظلاً ثقيلاً من التاريخ والقانون والإرادة. بينما تستمر إثيوبيا في رفع سقف الخطاب، تمسك مصر بورقة القانون الدولي والحقوق التاريخية، مؤكدة أن معركة المياه لا تُربح بالصوت العالي، بل بالحكمة والثبات.

مساحة إعلانية