مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الكاتبة همت مصطفى وحوار مع مبدع إنسان مع الشاعر محمد فرغلي

2025-05-09 23:55:53 - 
الكاتبة همت مصطفى  وحوار مع مبدع إنسان مع الشاعر محمد فرغلي
حوار مع مبدع إنسان

الشاعر محمد فرغلي، من أبرز الأصوات الشعرية التي تحمل بين كلماتها صدى الحياة وتجربة الإنسان. بمسيرة حافلة بالأدب والشغف، استطاع أن يميز نفسه من خلال قصائده التي تنبض بالصدق وتبتعد عن المبالغة، ليروي بها قصصًا إنسانية ترتبط بالواقع، لكنها لا تفقد جاذبيتها الشعرية. من خلال منبره الثقافي، سواء في الشعر أو عمله كمدير تحرير سلسلة "ديوان الشعر العامي"، يواصل فرغلي تقديم أعماله التي تساهم في إثراء المشهد الثقافي المصري. في هذه السطور، نغوص في تجربة الشاعر وحسه الفني، ونكتشف أسرار اختياراته الإبداعية ورؤيته الفريدة للمشهد الشعري العام.

التكوين الإنساني والبدايات

* كيف تُعرّف نفسك للقراء؟

نود أن نسمع منك عن رحلتك وأبرز محطاتك ومؤلفاتك وأعمالك التي تعتز بها.

**بدأ حبي للكتابة منذ الطفولة، خاصة في مادة التعبير، حيث كنت أهوى التأليف والاستشهاد بالقرآن والحديث وأبيات الشعر. نشأتُ في بيت يعشق الكتب، بفضل مكتبة والدي الغنية بكتب التراث والتاريخ والدين والشعر، فكان ذلك أول احتكاكي الجاد بالعالم الأدبي. التحاقي بالإذاعة المدرسية ساعدني على كسر حاجز الخوف من الجمهور وتعلُّم الإلقاء. كتبت أول مقطع شعري في الإعدادية عن الشهيد محمد الدرة، وفي الثانوية عرضت أول قصيدة على أستاذ اللغة العربية، فكتب لي: "أنت أمام شاعر فذ"، وكانت تلك لحظة فارقة. أثناء دراستي بكلية التجارة، التحقت بجماعة الشعر، وهناك بدأت أتعرف على تجارب شعرية مختلفة. ثم انضممت إلى "لقاء الأدباء" في ساقية عبد المنعم الصاوي عام 2009، وبدأت تجاربي الأولى بالفصحى. عام 2010 كتبت أول نص عامي بعنوان "الخواجة"، ولاقيَ إشادة كبيرة، فكان الانطلاقة الفعلية نحو العامية. ثم جاءت قصيدتي "نقطة ومن أول يناير" بعد ثورة 2011، والتي فازت بجائزة كلية التجارة، وجائزة محاكاة نوبل، ونُشرت في مجلة "الأدب" كأول قصيدة تُنشر لي، وكانت بمثابة شهادة ميلادي كشاعر. منذ 2010 وحتى اليوم، صدر لي 6 دواوين، ونُشرت قصائدي في معظم الصحف والمجلات الثقافية الكبرى كالأهرام، الأخبار، الجمهورية، أخبار الأدب، المصور، القاهرة، والإذاعة والتلفزيون. وشاركت في أهم المنصات الشعرية بمصر مثل معرض الكتاب، المجلس الأعلى للثقافة، بيت الشعر، اتحاد الكتاب، مكتبة الإسكندرية، وغيرها.

أعمالي المطبوعة:

من شظايا الحرب (2017، ط.1 دار تشكيل / 2024، ط.2 دار تنوين) – استغرق ست سنوات من التجريب.

قلبي عليه مئذنة (2020) – مجموعة أناشيد دينية، دار فهرس.

طلة من برواز (2021)، دار فهرس.

إيكو، صدى من صرخة مكتومة (2022)، الهيئة العامة للكتاب.

أبعاد جديدة لعساكر لعبة (2023)، دار تنوين.

كبسولة فرغلي الزمنية (2024)، هيئة قصور الثقافة – سلسلة إبداعات.

* الشعر بدأ معك من أين؟ من قلب مكسور؟ من صورة؟ من لهجة أم؟

**الشعر بدأ مع أمي، ربنا يبارك فيها، كانت شاعرة وتكتب وتحضر أمسيات الشعر في معرض الكتاب.من أهم ذكرياتي معها أنها كانت تأخذني لتلك الأمسيات، وكأنها ربّتني شاعرًا بالفعل. أتذكر تسجيلاتها على شرائط الكاسيت، وكان صوتي يظهر في الخلفية وأنا ألعب، فامتصصت موهبة الإلقاء دون أن أدري. تجربة أخرى تركت أثرًا كبيرًا، وهي وفاة والدي -رحمه الله- عام ٢٠٠٥، فصار الشعر والقراءة ملاذي وعزلتي. وحتى اليوم، ذكرياتي معه تتسلل إلى نصوصي بوعي أو دون وعي.

* متى شعرت أن الشعر اختارك؟ وهل تتذكر أول بيت كتبته أو أول من صدّقك شاعرًا؟

**الشعر اختارني منذ ولادتي، فأنا ابن شاعرة. أول ما كتبته كان عن فلسطين، أتذكر السطر: "اليهود دمروا البيوت". وأول من صدّقني شاعرًا كانت أمي، ثم أستاذ اللغة العربية في الثانوية العامة.

* من كان أول جمهورك؟ وهل لا يزال داخلك الطفل الذي يكتب ليفهم العالم؟

** كان جمهوري الخيالي، كنت أتصور جمهورًا أمامي وأنا ألقي القصائد. لكن أول من دعمني فعليًا كان جمهور الأدباء في ساقية الصاوي، حيث تعرّفت على شعراء وتجارب مهمة. وما زال الطفل داخلي يكتب، حتى إن ديواني الأول "من شظايا الحرب" بطله طفل يعاني الحرب ويكتب عنها بطريقته.

* ما الذي جعلك تختار العامية وسيلة للبوح، رغم دراستك لتخصص بعيد تمامًا عن الأدب؟

**نشأت في أسرة تعشق الشعر والكتب، وكأنني فُطرت على الشعر. واخترت العامية لأنها الأقرب لي، وبها وجدت نفسي من خلال التجريب والممارسة.

* هل تتعامل مع القصيدة بوصفها مقاومة؟ أم اعتراف؟ أم عزاء شخصي؟

**القصيدة عندي هي كل ذلك: مقاومة، واعتراف، وعزاء. هي فعل تعبّد، كما قلت في إحدى قصائدي: "نوع من أنواع الأذكار". هي عالمي الخاص، الحضن الذي لا يغلق ذراعيه، خاصة بعد رحيل والدي رحمه الله.

الجوائز والتكريم

* ماذا أضافت لك جائزة الدولة التشجيعية؟ وهل تؤمن أن الجوائز تُنصِّب شاعرًا أم توثّق منجزه فقط؟

**جائزة الدولة التشجيعية كانت حلمًا، والحلم لا يُدرَك إلا بالتعب، والمجهود، والإيمان. لكنها تظل تقديرًا لمسيرة شاعر، لا صكًّا يُمنَح لإثبات الموهبة. فكم من شعراء متحققين لم يطرقوا أبواب الجوائز، وكم من جوائز لا تعبّر عن كل الحقيقة. هي في النهاية انعكاس لذائقة لجنة تحكيم، تختلف أو تتفق مع ذائقة الجمهور. لكن بالنسبة لي، كانت الجائزة أشبه برسالة من الله: "أكمل. اكتب. هذه موهبة وهبة، وستُسأل عنها." كما أنها سلطت الضوء على حضوري كشاعر، وأضافت قيمة معنوية لا تُنكر.

* فوزك بجائزة أحمد فؤاد نجم يمثل اعترافًا مهمًا بمشروعك الشعري. كيف تلقيت هذا التكريم؟ وهل الجوائز تغير من نظرتك لنفسك كشاعر؟

**جائزة نجم لها طابع مختلف، استطاعت أن تخلق جماهيرية بين شعراء العامية بسرعة، لأنها تمنح كل من في القائمة القصيرة تقديرًا ماديًا ومعنويًا. وبلغة المسرح، سلّطت الضوء على أصوات جديدة ومجَدّدة في العامية، رغم الانتقادات أحيانًا. هي محطة مضيئة في الرحلة، لا تغيّر نظرتي لذاتي، لكنها تؤكد لي أن الطريق الذي سلكته له صداه.

* كيف ترى الفارق بين التقدير المؤسسي والتقدير الشعبي؟ وأيهما أقرب لقلبك؟

**أي شاعر يحلم بكليهما، ولنا في الأبنودي قدوة. لكن، في النهاية، القصيدة الجميلة هي الأصل، هي ما يلمع في عين الشاعر قبل أي تصفيق. والتقدير الأصدق أحيانًا، أن تجد كتابك في يد قارئ غريب، اشتراه دون وساطة، تفاعل معه، تأثر به، أو حتى اختلف معه… هذا هو الخلود الذي يشبه الشعر.

* كيف تتعامل مع فكرة “التقييم” حين تكون أنت الشاعر وأنت المُحكِّم؟ هل تنجح في الفصل بين الذات النقدية والذات الشاعرة؟

** كنت متخوفًا في البداية من خوض تجربة التحكيم. لأن الذائقة تختلف من ناقد لآخر، من محكم لآخر، وهذا ما يجعل الشعر متنوعًا وجميلاً. لكني مع الوقت اكتشفت عوالم جديدة في تجارب الآخرين، تعلمت، وانبهرت أحيانًا. هناك بالطبع أدوات مشتركة في الشعر، لكن ما يصنع الفرق هو الصدق. أما أنا، فأؤمن أن الشاعر الحقيقي يحتفي بجمال لا يصدر عنه، فنحن لا نحتكر الجمال… بل نحبّه، من أي مكان أتى.

الصبّارة... وطبقات المعنى

* تحضر الرمزية بكثافة في قصائدك، مثل قصيدة "صبّارة"، رغم بساطة اللغة. هل هذا مقصود كمنهج أم جزء من تكوينك الشعري؟

**والدي، رحمه الله، كان معلّم تربية زراعية، وعشت طفولتي وسط نباتات الزينة والظل والصبّار. هذا الجو تسرّب لروحي دون أن أدري، وظل الصبار رفيقًا في رحلتي حتى رأيته على قبر والدي… عندها فقط أدركت أن "الصبّارة" كانت تسكنني من سنين. قصيدتها جاءت من وجع، ومن باب التجريب، لكنها كانت تشبهني جدًا. فالرمز عندي ليس مقصودًا دائمًا، لكنه جزء من تكويني، من طفولةٍ كانت ترى الشعر في النباتات.

*هل تظن أن القصيدة العامية قادرة على حمل هموم المرأة بصدق؟ أم ما زالت الذكورية متجذّرة حتى في الحسّ الشعبي؟

**بالنسبة لي، الشعر لا يُصنّف بهذه الطريقة. الجمال هو المعيار، والصدق هو البوصلة. القصيدة الصادقة، سواء كتبها رجل أو امرأة، تستطيع أن تحمل الهمّ الإنساني، أيًّا كان جنسه. المسألة ليست "من يتحدث؟"، بل "كيف يتحدث؟".

* القاهرة… الغاليات المؤنسات… المقاهي… القراء… أيّ من هذه العناصر أقرب لميلاد القصائد؟

**كلها عناصر تتضافر لتصنع الشاعر. رغم أن جذوري تعود إلى سوهاج، لكني نشأت في أحد أحياء القاهرة الشعبية، حارة دافئة تسكنها الحكايات وصدى الجدات،

وكان للمقاهي، وللنساء الجميلات في الحكايا، وللقراء المتفاعلين، دور كبير في تشكيل وجداني. القصيدة تولد من هذا الخليط… من الذاكرة والناس والمكان.

* هل تجد أن الشعر العامي لا يزال يُعامل كأدب درجة ثانية مقارنة بالفصحى؟ وهل تحارب هذه النظرة بنصك أم بسلوكك الثقافي أيضًا؟

**الوعي تغيّر كثيرًا، اليوم أصبح هناك إدراك أن الأدب له أكثر من طريقة للتعبير، وأن الفصحى والعامية ليسا في منافسة، بل في تكامل. فقد تكون القصيدة العامية أبلغ وأجمل في تناول موضوعٍ ما من نظيرتها الفصحى… والعكس صحيح. المعيار هنا هو الجمال، وجودة النص. أذكر نقاشًا دار بيني وبين د. أحمد بلبولة — الشاعر الكبير وعميد كلية دار العلوم — على هامش إحدى أمسيات معرض الكتاب. وتفاجأت بأنه بدأ فعلاً بتأصيل العامية المصرية أكاديميًا، في المناهج والدراسات العليا. بل واستشهد بملحمة "الليلة الكبيرة" لصلاح جاهين كنموذج.

على مستوى تجربتي، أسعى لتجريب مساحات جديدة في القصيدة العامية،

لأني أؤمن أن العامية المصرية ما زالت قادرة على احتضان مواضيع وأشكال وأساليب لا نهائية.

ما بين القصيدة والإنشاد

* كثير من قصائدك أُنشدت بصوت الشيخ إيهاب يونس وآخرين.. كيف تري هذا النوع من التلقي؟ وهل تُكتب بعض القصائد بنيّة الإنشاد؟

**هذه هي المنطقة الأقرب لقلبي…كأنها الغاية من كوني شاعرًا. الكتابة عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وعن جماليات الدين الإسلامي وقيمه الإنسانية الرفيعة،ىشرف لا يوازيه شرف… أشعر خلالها أنني أكتب بمداد من المحبة والطهارة. ولذلك كان من أهم المحطات في رحلتي توثيق هذه القصائد المنشدَة في كتاب، وأتوجه بالشكر لأختي الصغيرة "إسراء" التي تبنّت فكرة التجميع والتوثيق حتى خرج إلى النور مطبوعًا.

* هل تعتقد أن الإنشاد يخدم القصيدة؟ أم قد يُعيد توجيهها أحيانًا بمعزل عن نوايا الشاعر؟

**الإنشاد لا يخدم القصيدة فقط… بل يسمو بها. هو بمثابة حجٍّ للسماء، أو رحلة روحانية لا تعود منها الروح كما كانت. صوت المنشد يُضيء المعنى، ويضيف للقلب من النور ما قد لا تستطيع الكلمات وحدها أن تمنحه. أحيانًا تتفتح للقصيدة مع الإنشاد أبواب لم تكن في نية الشاعر، لكنها تليق بجلال المعنى.

ما بين النشر والمشاريع المستقبلية

* لديك دواوين كثيرة قيد الإصدار، هل تشعر أنك في سباق مع الزمن؟ أم أن كل ديوان له مزاجه وأوانه؟

**منذ أن وصلت إلى مرحلة جيدة في امتلاك أدوات الشعر، كان هدفي دائمًا هو كتابة "المشروع الشعري". أحب هذا النوع من الكتابة لأنه يعطيني الفرصة لاكتشاف أكثر من رؤية لذات الموضوع، أو كما نقول في لغة السينما، "كادر" مختلف لنفس المشهد. هذا النهج لا يُقيّدني؛ بل يتيح لي وقتًا كافيًا للكتابة على مزاجي، بعيدًا عن الشعور بالضغط. أما فكرة "الديوان المشروع"، فقد تعلمتها من شعراء كبار مثل فؤاد حداد والأبنودي. كان مشروعي الأول عن الأطفال ضحايا الحروب. ثم أخذت هدنة كتابية تجريبية مع تجربة الإنشاد والمديح. ثم جاءت تجربة الغربة، التي أسفرت عن ديوان يتناول الحنين إلى الصور والغائبين، تلتها تجربة "إيكو" التي أطلقت صدى الذكريات، ثم العودة إلى الحرب وتوثيق همومها. وأخيرًا، كانت تجربة "الكبسولة الزمنية" التي جمعت فيها 33 عامًا من روحي. ما زلت أؤمن أن انحيازي للمشروع الشعري هو الأهم.

* ما الذي يشغلك الآن؟ فكرة؟ مشروع شعري؟ همّ شخصي يُريد أن يتحوّل إلى ديوان؟

**في الوقت الحالي، أكتب عن طبقة مهمة من نسيج الشعب المصري وتراثه.

عن السريحة والباعة الجائلين والجوالين، وهم من أطلق عليهم "حس الشوارع في الشتا والصيف". وهو المشروع الذي حصلت على منحة التفرغ المقدمة من وزارة الثقافة من أجله.

بطاقة شاعر وإنسان

* من هما فيروز وليلى في وجدانك كشاعر لا كأب؟ ولماذا هن المؤنسات الغاليات؟ وما الذي تريد زرعه فيهن؟

**هن الحياة، الأمل، والقصيدة الأجمل. أزرع فيهن حب الخير والجمال للجميع.

* ما الذي تتمنى أن يبقى من محمد فرغلي بعد كل هذا الركض بين القصائد والبراويز؟

**أتمنى أن تبقى الكلمة الطيبة عني قبل شعري. فالإنسان سيرة قبل المسيرة.

المسار المهني والإبداعي

* توليت مسؤولية مدير تحرير سلسلة ديوان الشعر العامي بالهيئة المصرية العامة للكتاب. كيف ترى أثر هذه السلسلة في دعم القصيدة العامية؟ وما رؤيتك التحريرية في اختيار النصوص؟

**هي مكافأة من الله ومنبر ثقافي حقيقي، ينشر تجارب شعرية حية. حبي للشعر يجعلني إن شاء الله قادرًا على تحمل هذه المسؤولية، وهدفنا برئاسة الشاعر الكبير إبراهيم عبد الفتاح هو خدمة الشعر أولًا وأخيرًا، وإعطاء الفرصة للشعراء المتحققين لتقديم أعمالهم.

* كعضو في لجان تحكيم متعددة، ما المعايير التي تبحث عنها في النص؟ وكيف تتعامل مع مسؤولية تقييم أحلام الآخرين؟

**التقييم عندي ليس مجرد مهمة، بل هو موهبة صادقة، أدوات ورؤية، تناول وجدان وتجديد. من امتلك هذه العناصر امتلك قلبي قبل شعره. وهذا هو الأساس في تقييم النصوص.

* حصلت على منحة التفرغ من وزارة الثقافة—كيف أثرت فيك كمساحة إبداع؟ وهل تعتقد أن المبدع بحاجة فعلًا لهذا النوع من العزلة الرسمية؟

**المبدع بحاجة لدعم الكيانات الرسمية في بلده، ووزارة الثقافة تلعب دورًا حيويًا في دعم المواهب الحقيقية. كانت المنحة بالنسبة لي مساحة للتفرغ التام للإبداع، ما أعطاني حرية ووقتًا أكبر لاكتشاف مجالات جديدة في الكتابة.

العنوان كقصيدة

* عناوين دواوينك لافتة، وكأنها نصوص مستقلة. ما الذي يشغلك حين تختار عنوانًا؟ وهل تؤمن أن العنوان يجب أن يكون مرآة أم خدعة؟

**المشروع الشعري لا بد له من عنوان وخطة كتابة وتجريب. عندما يكون الديوان مجمعًا، قد يجد صاحبه صعوبة في التسمية، لكن مع المشروع الأكثر جدية في التناول، يكون العنوان جزءًا أساسيًا من التعبير عن جوهر العمل. يجب أن يكون العنوان صادقًا وصادمًا أحيانًا، ليكون مفتاحًا للقصيدة.

القصيدة والواقع والموقف الإنساني

* في قصيدتك "شظية من صياد وجندي"، يلتقي الألم بالرمز. احكِ لنا عن ولادة هذه القصيدة، ومتى تتقاطع عندك القصيدة مع الموقف الإنساني؟

**أحب الصيد منذ صغري، وكانت العلاقة بين الجندي والصياد غريبة بالنسبة لي، لكن في النهاية، الهدف والغاية مختلفان. أثناء كتابتي في منطقة الحرب، كان الصراع النفسي في ذهن الصياد الذي تحول إلى جندي أمرًا شغلني كثيرًا. حاولت أن أجسد هذا الصراع في القصيدة. في النهاية، كتابة القصيدة بالنسبة لي هي عمل فني وإنساني في ذات الوقت. ورغم الصعوبات التي قد تواجهنا أثناء الكتابة، إلا أن من يمتلك القدرة على التعبير، خاصة من خلال الشعر، هو إنسان محظوظ، لأن هذه الهبة عظيمة، وتعتبر من أعظم ما يمتلكه العرب خصوصًا.

رؤية للمشهد الثقافي

* كيف ترى المشهد الثقافي العام في مصر الآن؟ وهل الشعر العامي ما زال يؤدي دوره في التعبير عن الناس؟

**المشهد الثقافي في مصر الآن يبشر بالكثير من التفاؤل، حيث توجد تجارب حقيقية ومجددة في الشعر والفنون بشكل عام. الشعر العامي في أوجه، ويشهد نشاطًا وتوهجًا في العديد من الفعاليات الرسمية وغير الرسمية. الشعر يعبر أولًا عن التجربة الذاتية، ثم يتناول قضايا المجتمع، لكن في قالب جمالي بعيد عن المباشرة والخطابة. يبقى الشعر هو سقف اللغة الجمالي، ولا يمتلك البلاغة في اللغة إلا الشاعر المتمكن.

* برأيك، ما العقبات التي تقف أمام تجديد القصيدة العامية؟ وكيف يمكن كسر القوالب دون أن نفقد الروح؟

**السر في التجديد يكمن في الصدق والتجريب، والابتعاد عن التكرار والمباشرة. التأثر بشعر الآخرين مرحلة مهمة، لكن يجب تجاوزها والانطلاق نحو مساحة خاصة بكل شاعر، حيث يعبر عن نفسه ووجوده في المجتمع الثقافي.

* هل أصبح الإلقاء المبالغ فيه في أمسيات الشعر عبئًا على القصيدة؟ وما رأيك في هذا “التجويد الإجباري” الذي يفرض على الشاعر أن يكون مؤديًا صوتيًا لا كاتبًا فقط؟

**الشعر في طبيعته فن مسموع، لكن يجب على الشاعر السعي نحو التوازن بين الكتابة والإلقاء. لا بد من تجنب التكلف والمبالغة، لأن الصدق يصل إلى القلوب بأبسط الطرق.

أسئلة سريعة

* شاعر لو عاد للحياة لتبادلت معه ديوانًا؟

**فؤاد حداد

*أول مكافأة حصلت عليها مقابل قصيدة؟

** مسابقة كلية التجارة ٢٠١١ وكانت ٥٠ جنيه

* ماذا تقول للناقد الذي يقرأ ليجلد فقط؟

**النقد هو فن موازٍ للأدب، ولابد على الأقل أن يوازي جمال النص الأدبي.

* ما الذي تكتبه حين لا تستطيع أن تكتب شعرًا؟

**أكتب أفكار قصائد ومشاريع أود كتابتها.

*رسالة إلى وزارة الثقافة؟

** شكرًا على مجهودكم الدائم والكبير في إثراء الهوية الثقافية المصرية.

تأملات حرة

* في الختام، لو تركنا لك المساحة لتكتب سطرًا بلا سؤال… ما الذي كنت لتقوله؟ وما الفكرة التي تمنيت أن نُثيرها ولم نفعل؟

**لماذا الشعر ومجهود كل الكتاب يبقى على هامش حياة الناس، وليس جزءًا أساسيًا من حياتهم؟

* في لحظة تأمل صامتة... لو سنحت لك الفرصة لإرسال "تلغراف" لمن ترك فيك أثرًا طيبًا لا يُنسى – شعريًا أو إنسانيًا – فلمن ستوجهه؟ وماذا ستكتب؟

**إلى زوجتي التي لم تمل من عشوائيتي والمزاجية في طبعي كشاعر، والتي زرعت فيَّ الكثير من الجمال والحب.

أقول لها: شكرًا على دعمك، وفرحتك بكل إنجاز، وشكرًا لأنك كنتِ بجانبي في لحظة الهزيمة النفسية والحزن قبل لحظة الفرح والتتويج.

وختاما:

يبقى الشعر، كما أكد الشاعر محمد فرغلي، الأداة الأسمى التي تربط بين الذات والعالم، وتستمر تجاربه في تقديم رؤى عميقة للمجتمع والجمال. ومن خلال مسيرته التي تدمج الإبداع بالإنسانية، يظل فرغلي صوتًا متجددًا في الشعر العامي، يحمل الهم الثقافي وينقل له صوتًا صادقًا ينبض بالحياة. بتواضع وإصرار، يسعى لتوثيق التجربة الإنسانية في أشكال مختلفة، متأملًا المستقبل بعين الشاعر الذي لا يرضى بالقليل.

أُجري هذا الحوار ضمن سلسلة "حوار مع مبدع إنسان" التي تُعدّها وتُقدّمها الكاتبة والشاعرة همت مصطفى، والتي تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على الوجوه الإنسانية للمبدعين الذين يحملون الجمال في أقلامهم وقلوبهم، بعيدًا عن ضجيج الأضواء وقوالب الإعلام التقليدية.

مساحة إعلانية